مجموعة المسرح ثقافة في حوارها الأسبوعي تناقش ( سيميائيات المسرح )
04-18-2018 02:04 مساءً
0
0
الشبكة الإعلامية السعودية-سماء الشريف ناقشت مجموعة المسرح ثقافة مساء أمس الثلاثاء ١٧ أبريل ٢٠١٨ موضوعاً بعنوان (سيميائيات المسرح ) من تقديم المسرحي المغاربي / المختار العسري
وإشراف مشرفة المجموعة / سماء الشريف
وذلك في تمام الساعة الخامسة بتوقيت السعودية - والقدس
بدأ الحوار بالتمهيد حول علم السيميائيات ثم عرض المحور الأول ومناقشته ثم الانتقال إلى المحور الثاني واستكمال النقاش ،
تخلل ذلك عرض ومضات في بطاقات استدلالية لسير الحوار .
وقد شارك عدد من أعضاء المجموعة ومشرفيها منهم : المخرج والممثل السعودي ورئيس فرقة مسرح الطائف - مؤسس المجموعة الأستاذ / سامي الزهراني ، كما شارك المسرحي العراقي د. مهند العميدي ، والناقد المصري د. محمود سعيد ، والدكتورة العمانية آمنة الربيع ، والمسرحي السعودي الأستاذ ناصر العُمري .
وكانت محاور النقاش وفق التالي :
* المحور الأول: سيميائيات المسرح المفهوم والنظريات
* ١-سيميائيات المسرح : المفهوم
إن محاولة استقصاء مفهوم سيميائيات المسرح، يفرض علينا العودة للبحث عن طبيعة التلاقح الحاصل بين السيميائيات كمنهج نقدي و المسرح كنمودج فني و إبداع فرجوي .ومن اجل استقصاء هذه العلاقة بين السيميائيات والمسرح نقف عند معجم المسرح " لباتريس بافيس" و"المعجم الموسوعي للمسرح " لميشيل كورفان" والمعجم المسرحي ل" ماري الياس" و "حنان قصاب".
وبالعودة لمعجم باتريس بافيس " معجم المسرح" نجده يعرف سيميائيات المسرح في الصفحة 350 ،أنها" منهج ينصب على تحليل النص او العرض ،ويهتم بالتنظيم الشكلي للنص أو الفرجة، وكذا بالتنظيم الداخلي للأنساق الدالة التي يتألف منها النص والفرجة، كما يعنى بدينامية سيرورة الدلالة، و بإنتاج المعنى بواسطة تدخل الممارسين والجمهور"
اما "مشيل فوطو" فيرى في كتابه "Les mots et les choses" أن سيميائيات المسرح " مجموعة المعارف و التقنيات التي تسمح بتعرف العلامات، وبتحديد ما يجعل منها علامات، ومعرفة العلاقات القائمة بينها، وقواعد تأليفها"
إن السيميائيات تهتم بنمط إنتاج المعنى عبر العملية المسرحية التي تمنح من قراءة المخرج للنص وصولا الى تأويل المتفرج.
أما "ميشيل كورفان" فقد تحدث عن سيميائيات المسرح في معجمه " المعجم الموسوعي للمسرح " ،حيث اعتبرها جزءا من السيميائيات العامة أو علم العلامات، ومنهجا في تحليل النصوص والعرض ،حريصا على نظامها الشكلي ودينامية وسيرورة بناء المعنى، آخذا بعين الاعتبار نظامها الصريح في حركيتها وموقعها المتطور لمعانيها وهي المعاني التي تكون بواسطة شراكة جامعة بين صانعي الفرجة والمتفرجين، وذلك هو مسعى المتمرسين المسرحيين والجمهور"
إن المنهج السيميائي أسلوب يطبق و يحلل المسرح بصورة منتظمة وتطبيقية، والسيميائيات المسرحية منهجا نسقيا للتحليل مطبقا في المسرح
لقد ارتبط ظهور سيمائيات المسرح ب"حلقة براغ" اللسانية في سنوات الثلاثينيات من القرن العشرين. خاصة بعد الأعمال المتلاحقة ل"زيخ Zich" " استستيقا الدراما"1931و" موكاروفزكيMukarovsky" 1934 و" فلتروتسكيVeltrusky"1940. واستمرت المجهودات
وكانت الرغبة في دراسة المسرح باعتباره لغة متكاملة ومستقلة استقلالا تاما، من الأسباب الحقيقية لظهور سيمياء المسرح.
لقد تحققت سيميائيات المسرح مع" مدرسة براغ" سنة1970 مع "طاديوز كاوزان T.kowzan" في " ادب وفرجة في علاقتهما الموضوعاتية والجمالية" ،أما في فرنسا فقد تم اقتراح التطبيقات الأولى من قبيل " ميشيل كورفان" ،وباتريس بافيس" في " مشاكل السيميولوجيا المسرحية" سنة1974، و" اندري هيلبوAndre Helbo" في "سيميولوجيا العرض المسرحي " سنة 1975، و"آن أوبرسفيلدAnne Ubersfeld" في " قراءة المسرح"سنة1977،ثم "إيفيلين إيرتيل Evelyne Ertel" في "عناصر من اجل سيميولوجيا المسرح".
أما العالم العربي فسيعرف سيميائيات المسرح ،مستفيدا من الدراسات الغربية التي تعتبر رائدة في هذا المجال، وهو ما تجلى في ما جاءت به الباحثتان " ماري إلياس" و" حنان قصاب حسن" في معجمهما المسرحي ،حيث ترى الباحثتان أنه في إطار الحديث عن تطور السيميائيات المسرحية يمكن التميز بين ثلاث مراحل أساسية:
- المرحلة الأولى: وتبدأ من ثلاثينيات القرن العشرين، حيث وضعت الأسس الأولى لسيميائيات المسرح من خلال " حلقة براغ" التي اعتمدت على الدراسات اللغوية ل" سوسير" وعلى الدراسات البنيوية ،وعلى الدراسات التي قام بها "الشكلانيون الروس " حول "الشعريةPoetique" .وقد ركزت دراسات هذه المرحلة على تحديد ماهية العلامة ووضعها في المسرح، مع اعتبار كل ما في المسرح علامة تتجاوز الوظيفة النفعية لتكتسب وظيفة رمزية ودلالية، كما اعتبرت العلامة وحدة اولية في تركيب المعنى، ودرست ديناميكيتها وتحولها، وعلاقتها بالأعراف المسرحية من خلال دراسة تطبيقية كتحليل العلامات في المسرحين الشعبي و الشرقي.
- المرحلة الثانية: تميزت هذه المرحلة بتعرف الغرب الأوربي وأمريكا على أحداث " حلقة براغ" و"الشكلانيين الروس" في الستينات والسبعينات، وظهرت أبحاث رائدة من قبيل محاضرة البولوني "طاديوز كاوزان T.Kawzan" "العلامة في المسرح"سنة1980، وتتجلى اهمية هذه المرحلة في كونها تم فيها تحديد وصياغة ماهية السيميائيات المسرحية، ومحاولة تطبيقها فعليا على النص والعرض؛ كما تتحدد ملامح هذه المرحلة من خلال المواضيع التي عالجتها هذه المرحلة ؛كإشكالية العلاقة بين النص و العرض، وطبيعة التواصل في المسرح.
- المرحلة الثالثة: في هذه المرحلة تم تخطي السيميائيات الكلاسيكية؛ لأنها ظلت منغلقة على مادة البحث و لم تربطه بسياق انتاجه. وتميزت هذه المرحلة باستفادة سيميائيات المسرح من تطور المناهج العلمية الأخرى، وتوجه البحث نحو التلاقح الثقافي والمثاقفة Interculturalite ونحو التداخل النصي أو التناص Intertextualite . وتم في هذه المرحلة أيضا دراسة الخطاب والكلام عندما يكون بمثابة الفعل "Actes de langage "وخصوصيتهما في المسرح ،ومحاولة تخطي نماذج البحث المستقاة من نظرية السرد المطبقة سابقا.
و عموما ورغم النشاط الكثيف الذي عرفه بداية القرن العشرين ،بعد اقتراح السيميائيات باعتبارها علما شاملا للعلامات من قبل "سوسير" و "بورس" ،و رغم ارتفاع أسهم المشروع السيميائي في السنوات الأخيرة خاصة في حقل الدراسات الأدبية ،إلا أن المسرح كان أقل اهتماما مقارنة بالشعر والرواية .رغم غناه التواصلي.
* سميائيات المسرح /الأسس النظرية :
ترتبط سيميائيات المسرح تاريخيا ، بثلاثينيات القرن العشرين مع مجموعة من المفكرين الغربين، إذ ظهرت الشذرات الأولى لسيميائيات المسرح مع " مدرسة براغ" التي تعتبر من السباقين لدراسة المسرح" دراسة سيميائية نسقية مؤسسة على خلفية نظرية وإبستيمولوجية واضحة، وانصب اهتمام روادها على فنون مختلفة من ضمنها المسرح" "وكانت الأشكال المسرحية التي اشتغلوا عليها متنوعة، شملت المسرح الشعبي في الغرب، وكذا بعض المسارح الشرقية كالمسرح الصيني والمسرح الياباني وغيرهما" محاولين رصد كل الأسئلة ومناطق الاهتمام ف" كل ما يقدم الى المتفرج في إطار المسرح هو علامة، كما أدركت ذلك "مدرسة براغ" التي لم يسبقها أحد إلى ذلك"
لقد عرفت بداية التحليل السيميائي للمسرح، تناول الباحثين للخطاب منفصلا حيث النص الدرامي ونص العرض، وبدأت هذه الممارسة مع رواد " حلقة براغ" الأوائل الذين تناولوا الظاهرة المسرحية من زاوية النص الدرامي ومن الزاوية الشكلية، وهكذا أصبح العرض المسرحي مهما في التحليل، وهو ما طرح اشكالية ؛تتجلى في العلاقة بين النص و العرض، واستجلاء الصلات والوشائج بينهما ومن هنا نستنتج " أن البحث السيميوطيقي الذي قامت به " حلقة براغ" ،ركز على تعريف العلامات بدلا من محاولة تصنيفها في إطار العرض ،كما أن المداخل السيميوطيقية لمقاربة المسرح في النصف الثاني من القرن العشرين، قد ركزت على تنظيم النتائج التي تم التوصل إليها"
ومن بين ما يحسب ل"مدرسة براغ" اللغوية، كونها نظرت الى اللغة من جانبها الوظيفي.
وبالعودة للحوار الذي أجرته مجلة "تيل كيل "مع الناقد "رولان بارت" سنة 1963 ، والذي أعيد نشره سنة 1964، تحت عنوان " الأدب والدلالة Littérature et signification"ضمن كتاب " بحوث نقديةEssais-Critiques "،يقول" ما المسرح ؟ إنه عبارة عن آلة سيبرنيطيقية، فعندما تكون متوقفة تكون محجوبة، لكن بمجرد إزاحة الستار عنها. تبعث لك العديد من الرسائل ، وما يميز هذه الرسائل هو أنها تكون متزامنة ، وإن كان إيقاعها متباينا، فالمتفرج يتلقى في كل لحظة من لحظات العرض ست معلومات أو سبعا(صادرة عن الديكور والملابس والإضاءة ومكان الممثلين وحركاتهم وإيماءاتهم وكلامهم)،غير أن بعض هذه المصادر الإعلامية يظل مكانه (وهذه حال الديكور)، بينما تتغير المصادر الأخرى (شأن الكلام والحركات...) فنكون إزاء بوليفونية حقيقية"
ويقول بارث في نفس السياق :" في علم العلامات نجد أننا سنتعامل مع أنظمة مختلطة تتكون من العديد من المواد(الصوت، والصورة، و الأشياء والكتابة) وربما من الأفضل ان نجمع هذه العلامات تحت مفهوم واحد هو العلامة النمطية اللغوية و التخطيطية والأيقونة والإشارية ،فهذه كلها كلمات نمطية"
إننا في تلقي العرض المسرحي ، نكون بصدد التعبير الدرامي الصوتي ، والتعبير الدرامي المرئي، إلا أنهما يتوحدان لتحقيق الأثر لدى المتلقي مستفيدين من اللغة كوسيط بين الصوت والفكرة كما يقول "رولان بارت " بالإضافة الى كونهما وسيطا بين الحركة أو الصورة والفكر، فالمسرح" يتشكل من مجموعة من الصور الصوتية والمرئية المترابطة ترابطا دراميا سواء في الكوميديا أو في التراجيديا أو في غيرهما من أشكال التعبير الدرامي، في المسرح تندرج كلها تحت مفهوم العلامات المسرحية..."
إن فهم العالم يرجع الى طريقة واحدة وتتمثل في قراءة العلامات ، المطروحة في الطريق ، لذلك فنحن نقرأ الذين نراهم في الشارع ،حسب ما يرتدونه من اللباس؛ الشعر الأشعث، والملابس المهلهلة والأحذية غير الملائمة تدل على البؤس. أما القبعة والبذلة والحذاء المنسجم والمظلة تدل على واحد من رجال المدينة المرموقين. رغم كوننا قد نتورط في هكذا قراءات، لمعرفتنا بشفرات الملابس وتأثرنا بذلك ، ولا نعرف هل هذا مقصود حقا ، وهذا يتناقض مع المسرح الذي يشير كل ما فيه ومن عليه الى معنى فني محدد مسبقا.
ويعتبر " رولان بارث"من المتحمسين للتصور السوسيري ، رغم التعديلات والاضافات التي قام بها يقول "بارث" عن العرض المسرحي :أنه" فعل سيمانتيكي (علاماتي ، سيميائي) مركزا الى أقصى حد، يستخدم كأداة للتواصل، دلالاته تفضي بطريقة تكاد تكون منتظمة دائما الى بعض المضامين، لذا كان المسرح فن الشفرة والاصطلاح اكثر من الفنون الأخرى، واعتماده على الشفرة هو احد معطياته الأساسية"
إن الحديث عن سيميائيات المسرح، يقترن بالباحث الفرنسي، ذي الأصل البولوني" طاديوز كاوزان T.Kowzan " الذي رسم تاريخ سيميائيات المسرح رسما كرونولوجيا ،من خلال مقالته الشهيرة" ثلاثة وعشرون قرنا أو اثنتان وعشرون سنة؟vingt-trois siècle ou
vingt-deux ans? " وهو المقال الذي ترجم الى عدة لغات ،وقد ترجمه الباحث المغربي "محمد التهامي العماري" الى العربية ونشره الى جانب مقالات أخرى ذات طابع سيميائي في كتابه " حقول سيميائية".
لقد رسم " كاوزان" تاريخ سيميائيات المسرح كرونولوجيا في خمس مراحل:
- المرحلة الأولى: من " أفلاطون و " أرسطو" مرورا ب" القديس أوغسطين" "والرواقيين" ثم وصولا الى الفيلسوف الإغريقي" أمونيوس هيرمايي"،وسمى هذه المرحلة بما قبل سيميائيات المسرح.
- المرحلة الثانية: وجاءت متزامة مع القرنين السابع عشر والثامن عشر، وعرفت ظهور موجة من الأبحاث المتعلقة بالإيماء المصاحبة للخطاب" لغة الجسد"، وأشار في هذه المرحلة الى بعض الأسماء التي بصمت في سيميائيات المرحلة، من قبيل " جيوفاني بونيفاسو Ginovanni Bonifaccio " في كتابه "فن الإيماء"سنة1616،والقس" مشال دوبير Michel se Pure " وغيرهما ،وسمى هذه المرحلة بمرحلة التشكيل الجينيني لسيميائيات المسرح.
- المحطة الثالثة: واقترنت في تقسيم "كاوزان" بنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وبكتاب "دروس في اللسانيات العامة" للسويسري "فرديناند دي سوسيرF.De Saussure "، وتصورات "شارل ساندرس بورس CH.S.Peirce" وهذه المرحلة سماها "كاوزان" بمرحلة السيميولوجيا والمسرح.
- المحطة الرابعة: هذه أهم مرحلة بالنسبة الى " طاديوز كاوزان "،وقد بدأت مع " حلقة براغ" و" رولان بارث" في ثلاثينيات القرن العشرين، ويرى أن حقل العلامة في مختلف مظاهر الفن المسرحي، لم يزدهرإلا في الثلاثينيات مع منظري " حلقة براغ".
- المحطة الخامسة: وتتمثل في سنوات السبعينات و الثمانينات من القرن العسرين، وشكلت هذه المرحلة بالنسبة اليه منعطفا هاما في تاريخ سيميائيات المسرح،اذ تضاعفت الكتب والمقالات في أوربا والعالم.
وانتقل "كاوزان" بعد ذلك للحديث عن الخطاب المسرحي و مكوناته، وحدد ثلاثة عشر نسقا علامتيا يعمل في العرض المسرحي وهي:" الكلمات وتغيير نغم الصوت وتعبير الوجه والإيماءة وحركة الجسد والماكياج وزي الرأس والملابس واللوازم والديكور والإضاءة والموسيقى والمؤثرات الصوتية"
ونستنتج من خلال السرد الكرونولوجي الذي قام به "كاوزان" للظاهرة العلاماتية المرتبطة بالمسرح ، كأنه يقول لنا ان ما كتب خلال الاثنتين وعشرين سنة الأخيرة من صفحات ،من اعمال أصلية، تعادل أضعاف ما كتب طوال ثلاثة وعشرين قرنا ، وهذا ما يمكن ملاحظته من العنوان.
بالإضافة الى "كاوزان" يعد "كير إيلام K.Elam" واحدا من الذين فرضوا، أنفسهم من خلال ما قدمه لسيميائيات المسرح من خلال كتابه" سيمياء المسرح والدراما"،حيث تحدث فيه عن سيمياء المسرح من زاويتين: زاوية النص وزاوية العرض. وتطرق لإشكالية التواصل في المسرح من زاوية التلقي، فيذهب الى أن المتلقي يعقد اتفاقا يمنح بموجبه الممثل نسبة مرتفعة من النطق (الكلام)،ويملك المتلقي حق الانسحاب ،لحظة اكتشافه بأن الممثل يسيء استعمال المبادرة الموكلة اليه. وفي نفس الوقت يرى ان لرد فعل المتلقي تأثير كبير على العرض نفسه وفي تلقيه له، فاتصال المتلقي بالمؤدي يمكن أن يؤثر ،في غياب أي تأثير آخر،في درجة التزام الممثل بعمله.
" إن تركيز "إيلام" على التواصل المسرحي في كتابه كان واضحا، لأن أهمية التواصل والتلقي في المسرح عنده بلغت إلى حد القول بأن العلاقة بين عالم الواقع وعالم المسرح مشروطة بمدى قدرة المتلقي على الانتقال من عالم الواقع إلى عالم الاحتمال، كما يرى أن لكل إشارة نظامها ووظيفتها الخاصة بها، وعلى المتفرج أن يحولها بعد ذلك إلى دلالات تتجمع وتتراكم حول هدف واحد، ويرى ان الترادف يعمل في النص أو في العرض على جميع الإشارات المسرحية في نظام مسرحي يجانس أو يقارب بين الشفرات المسرحية والشيفرة الحضارية ويوحد بينهما" وبالتالي ف "الشيفرة في المسرح هي ما يعكس كل نظام مسرحي من نظم ومواقف حضارية، وذلك ينسحب على النص المسرحي البنيوي وفق الاتجاه البنيوي الماركسي الذي يهتم بالأنساق الحضارية والتاريخية والاجتماعية"
وعن الخطاب المسرحي يرى "إيلام " أنه من المستحيل التحدث عن رسالة مسرحية مفردة ،بل عن رسائل متعددة تستخدم في آن واحد من اجل إنشائها قنوات، او ضروب كثيرة من ضروب استعمال قناة في الاتصال تجمع في تركيب جمالي، أو إدراكي ويمكن للمتلقي ان يفسر هذا المركب من الرسائل على انه نص موحد بما يتفق و الشفرات المسرحية والدرامية التي في حوزته، ويمكنه أن يقوم أيضا بإرسال الإشارات صوب المؤدين (الضحك والتصفيق والهمهمة...) على طول قنوات بصرية وسمعية، والتي يمكن تفسيرها من طرف كل من المؤدي والمتلقي باعتبارها تعبيرا عدائيا او ما شابه ذلك.
لقد تتبع "إيلام " العلامات المسرحية، وكان اشتغاله واضحا ،من خلال تتبع مسار العلامة المسرحية من النص الدرامي الى حدود العرض المسرحي، اذ يرى ان واقعية النص والعرض تنعكس من خلال الإطار الزمني "الآن" والمكاني" هنا" والاطار الحواري. كما يرى ان عالم المسرح : عالم متماثل مع عالمنا وغير متماثل معه في آن واحد؛ والمتلقي يدرك ذلك جيدا"
وحاول " إيلام" توضيح كلامه حول أهمية التواصل في المسرح، ويؤكد ان العلاقة بين الخشبة والمتلقي شبيهة بالرسالة اللغوية التي تتم بين كل من متكلم ومستمع، و هو الطرح الذي ستفنده فيما بعد نظرية التغريب، ورفضه ايضا اللساني الفرنسي " جورج مونانG.Mounin " وذلك في مقالته الشهيرة " التواصل المسرحي" سنة1969، حيث نفى فيها صفة التواصل عن المسرح، بحجة أن المتلقي فيه لا يمكن أن يصبح مرسلا، حيث يستخدم شفرات المرسل الأول نفسها. وبالتالي فالإبلاغ فيه احادي الاتجاه، مما يجعل ادوار المشاركين ثابتة، فكل ما يمكن الحديث عنه حسب "مونان" هو " الإثارة" أي مجموعة من المثيرات الصادرة عن الخشبة تتولد عنها استجابات لدى الجمهور"
أما "آن أوبيرسفيلد A.Ubersfeld " فقد عالجت المسرح من زاوية سيميائية، ويتجلى ذلك في دراستين أساسيتين وهما :"قراءة المسرح" و" مدرسة المتفرج" وتطرقت فيهما بالدراسة والتفصيل لكل ما يتعلق بالعلامة المسرحية.
إن المتأمل لكتاب "فراءة المسرح " يجد دون كبير عناء أنه يمنح القارئ بعض المفاتيح البسيطة، وقد تطرقت " أوبرسفيلد" لفعل القراءة ،و الذي كانت تقصد به إبراز مختلف أشكال تحليل العرض والعلاقة بينه وبين النص، مبرزة أن مهمة السيميائيات تكمن في تفتيت الخطاب ، لقد حاولت "أوبر سفيلد" ان تبرز العلاقة القائمة بين النص الدرامي والعرض المسرحي، حيث تتجلى مكانة المسرح في هذه الثنائية، حيث يبدو المسرح حسب "أوبرسفيلد":"أكثر من أي فن آخر "ممارسة اجتماعية"، وهي ممارسة لا تنتفي فيها علاقة المسرح بالعملية الإنتاجية، أي بالصراع بين الطبقات"
وترفض "أوبر سفيلد" التمييز بين النص والعرض لأن ذلك يقود الى الالتباس، وترى في العرض تعبيرا عن النص الأدبي وترجمة له، ومن ثم تصبح مهمة المخرج هي ترجمة النص بلغة أخرى، وواجبه الاول ان يظل امينا مع النص مخلصا له، بينما يظل المضمون مماثلا للشكل عند المرور من نسق علامات العرض،" فمجموع العلامات البصرية والمسموعة والموسيقية التي يخلقها المخرج ومصمم الديكور والموسيقيون والممثلون تشكل معنى ما (أو نخبة من المعاني) التي تتخطى النص في مجمله"
تقول " أوبرسفيلد":" من الأكيد ان على السيميائيات ان تهتم بمجموع الخطاب المسرحي(...)بيد ان رفض التمييز بين النص والعرض من شأنه ان يقود إلى كل أشكال الخلط ،لأن تحليلهما لا يتوسل بالأدوات المفهومية نفسها. وهو خلط ذو أوجه عدة، وله ضلع في المواقف التبسيطية التي تختزل الواقعة المسرحية" وتقصد بالمواقف التبسيطية" تلك التي تعتبر العرض مجرد ترجمة للنص، بكل ما تقتضيه الترجمة من تناظر بين المكونين، وتدحض هذا الرأي، وتقترح النظر إلى كل من النص والعرض باعتبارهما مجموعتين متمايزتين ومتكاملتين ومتقاطعتين" وتقول في موضع آخر من الكتاب ،بأن العرض يتضمن نصين اثنين: نص المؤلف(النص الدرامي) ونص صانعي الفرجة(المخرج و السينوغراف،...)،وبذلك صارت العلاقة بين النصين علاقة تضمن واحتواء لا علاقة تقاطع.
وفي الفصل الثاني من كتابها ، تحدثت "أوبرسفيلد" عن النموذج الفاعلي في المسرح وعن كيفية انتقال من الفاعل الى الشخصية، حيث رأت ان طريق التحليل السيميائي هو تحديد"
الوحدات" في مجال المسرح " غير انه من الصعب بشكل خاص استيعاب هذه الوحدات التي قد لا تكون مطابقة لبعضها وفقا لمنظور النص أو العرض"
اما في الفصل الثالث ،فقد تطرقت الى الشخصية، واعتبرت أن مفهوم الشخصية (النصية-العرضية) في علاقتها بالنص وبالعرض مفهوم لا تستطيع سيميائيات المسرح في الوقت الحالي ان تحيط به، حتى وإن لم نعتبره "مادة"(شخصا، روحا، خلقا، فردا ، متفردا)،أو مكانا هندسي من البنيات المتفرقة، ذو خاصية جدلية "وسطية" "إننا لا نرى خلف الشخصية حقيقة ما تسمح ببناء خطاب أو خطاب واصف ما، وإنما نقطة التقاء عدد من الوظائف المستقلة نسبيا"
اما في الفصل الأخير من هذا الكتاب فقد أشارت الى مكونات الفضاء المسرحي، واعتبرت ان اول خاصية ،يتميز بها النص الدرامي هي" استخدام شخصيات يمثلها ممثلون، ووجود فضاء تحيا فيه هذه الكائنات الحية، واعتبرت الممارسة المسرحية هي العناصر التي تسمح ببناء المكان المسرحي والتي تستقي من الإرشادات المسرحية، مثل :إشارات الأماكن وأسماء الشخصيات والإشارات الخاصة بالإيماءات والحركات..."
ثم حددت العلامات المكانية في المسرح بشقيه الطبيعية والاصطناعية، وهكذا " يصبح الفضاء المسرحي أيقونة لفضاء اجتماعي ثقافي ما، ومجموعة من العلامات المشكلة جماليا مثل التصوير التجريدي"
خلاصة لما سبق ، نستنتج أن من كل الاقتراحات حاولت تعريف سيميائية المسرح ، بكونها تدرس مختلف أنواع العلامات الموجودة في العرض المسرحي، وقد ادى اهتمام السميائيات بالمسرح إلى تشعب الدراسات ، الى الحد الذي يمكن القول معه أن هناك فيضا زاخرا من النظريات السيميائية التي تطرقت للمسرح، لكن يبقى الهدف الرئيس لها جميعا ، معاينة الدلالة، وإبراز علاقة العمل المسرحي بالعالم من خلال نمط إنتاج المعنى، وبمراعاة كلية النسق الدرامي الذي يبدأ بقراءة النص من لدن المخرج وينتهي بتأويل العرض من طرف المتلقي.
* المحور الثاني :
عناصر التواصل المسرحي :
تتداخل عدة عناصر في بلورة الخطاب المسرحي ،وبناء الرسالة المسرحية، وبعثها نحو المتلقي، الذي يعمل طيلة العرض على فك الرموز والشفرات التي نسجها المخرج في قالب فرجوي له بداية ووسط ونهاية. لذلك سنعمد في هذا المحور الى بيان مكونات التواصل المسرحي وكيفية اشتغاله داخل العرض المسرحي.
* السينوغرافيا فضاء بصري:
غالبا ما نتحدث في المسرح عن وجود نصين: نص المؤلف ونص المخرج ،واذا ما قبلنا فرضيا بهذا الطرح، فباستطاعتنا الحديث عن نص آخر ثالث وهو نص السينوغراف الذي يمثل نقطة التقاء بين المخرج والممثل والسينوغراف والمؤلف.
وبالإضافة الى المكونات الأخرى ،تعتبر السينوغرافيا من الركائز التي حظيت وتحظى بأهمية بالغة من جانب القيمين والساهرين على إعداد العروض المسرحية، ويرجع الدراسون السينوغرافيا Scénographie الى جذورها اليونانية"سكينغرافين Skenegraphein والتي تعني تصميم الديكور وتزين واجهة المسرح بالألوان الخشبية المطلية بالرسوم.
وتعنى السينوغرافية بهندسة الفضاء المسرحي وغيرها من الفضاءات، وتعتبر العتبة الاولية لفهم العمل المسرحي ومحتواه ،أو على الأقل الترميز لهذا المحتوي بمجموعة من الإشارات والعلامات والرموز، التي يتم توظيفها لأغراض دلالية وجمالية ووظيفية، " ونقصد بالحضور الوظيفي ،جعل مشاركة السينوغرافيا في العمل المسرحي بمثابة الكلمة الفاعلة، أي انها تؤدي دور /وظيفة ممثل او أكثر فوق الركح، إذ تستطيع أن تقول بلغتها الرمزية والتشكيلية والبصرية ما لا يستطيع النص او الإخراج قوله أو اداءه، وبالتالي مشاركتها ليست ثانوية بقدر ما هي مشاركة أساسية وحاسمة في نجاح او فشل العرض المسرحي."
إن الحديث عن السينوغرافية ،لا يمكن ان يتم دون الحديث عن علمين كبيرين ،وهما السويسري" أدولف أبيا A.Appia " و الإنجليزي "إدوارد كوردن كريك I.G.Graig " حيث قاما بمجهودات جبارة من اجل تطوير السينوغرافيا.
وقد ساعد التقدم التكنولوجي وثورة الاتصال التي عرفتها اوروبا في تلك الفترة، وبالموازاة مع هذه الثورة تقدمت مختلف العلوم، وبرز جيل جديد في كل مجال، وساهم ظهور المخرجين في القرن التاسع عشر ،بشكل مباشر وفعال في إبراز مفهوم السينوغرافيا ودورها الأساسي في العرض المسرحي انطلاقا من رؤاهم التجريبية في الإخراج، ومن السينوغرافيين المتخصصين في القرن التاسع عشر نذكر؛ "جوزيف زفوبودا Josef Svoboda "و "روني أليوRene Alliot" وغيرهما.
تهتم السينوغرافيا بهندسة الفضاء المسرحي في اطار ركحي، وتحاول إعطاء معنى للفراغ، ولمجموع العناصر المكونة للفضاء المسرحي، وفق معايير ومقاييس التوازن والتناغم والانسجام وتشكيله بالإمكانيات التعبيرية والرمزية والايحائية التي تنتجها باقي المكونات الاخرى، لأجل خلق فضاء مشحون بالدلالة والشاعرية والدرامية.
إن السينوغرافيا تهدف إلى تأثيث وتزيين ،وترتيب عناصر الديكور والأثاث و الإكسسوارات والإطارات ، من اجل إبراز واضفاء البعد الرمزي على الخشبة. لأن كل ما يوجد على الركح بإمكانه أن يؤدي أكثر من وظيفة دلالية، وهنا يصبح بالإمكان اعتبار الممثل اداة سينوغرافية، إذ يؤدي دور الشاب و الشيخ والمرأة ،ويمكن لشباك النافذة أن يتحول على الركح الى سجن ،والعصا الى حصان ، والستارة الزرقاء الى بحر وغيرها " غير ان مفارقة السينوغرافيا تظهر حينما نكتشف انها مرئية ومنسية في آن معا، مرئية لأنها تصوغ المكان وتملأه، ومنسية لأنها مكانية محجوبة"
إن قدرة العلامة المسرحية بصورة عامة ، والعلامة السينوغرافية بخاصة على التحول هو الطابع الذي تتميز به،" وبفضل هذا التحول نفهم لماذا يستطيع البناء المسرحي كله أن يتحول في أي لحظة. ومن خلال السينوغرافيا تظهر قوة الزمان وقوة المكان للنص المسرحي"
ومن خصائص السينوغرافيا الميل الى التعقيد ففي بعض الحالات ، يضطر المتلقي الى الجمع بين عدة علامات كي يكشف المدلول المركب
العنصر الثاني وفق التصميم :
* النص الدرامي رسالة صوتية
للمسرح لغته الخاصة به ،" بغض النظر عن طبيعة هذه اللغة وخصوصيتها اللسانية، سواء كانت فرنسية ام عربية ،صينية او إنجليزية الخ... وبغض النظر هل كتب حواره شعرا ام نثرا، وبغض النظر أخيرا هل كتب بالفصحى او بالعامية" وعندما يلج المتلقي الصالة لا يكتفي بالكلمة المنطوقة بل يبحث عن رسالة مسرحية مكتملة، تشتبك في الكلمة مع حركة الممثل والملابس والإضاءة والديكور... وإن كان بعض الباحثين لا يرضى عن الخطاب المسرحي إلا باعتباره نصين، نص المؤلف ونص المخرج.
وعندما نتحدث عن نص المؤلف نقصد به النص الدرامي، حيث نفكر بوعي او بدون وعي، في الجانب الأدبي للمسرح، و "لا يمكن الاستغناء عن النص الدرامي أو تعويضه إلا نادرا ويعرف بكونه بناء من الألفاظ والجمل والتراكيب والعبارات والأصوات المكونة للنص، ومن عمليات ترابطها وتقاطعها وتقابلها وتكرارها تتكون وحدة منسجمة تبلور مجمل رؤية الكاتب " لأن " عناصر النص هي اللغة والسرد والغناء والارشادات ،في حين أن عناصر العرض هي النص والأداء والمناظر والملابس والإضاءة والموسيقى التصويرية..."
النص الدرامي أداة الكاتب الأساسية في الإفصاح عما يحسه ويريد التعبير عنه ويحدد موقفه منه فيكون مصدوما او مندهشا أو مقتنعا... وبواسطة الحوار يدفع الكاتب نبرة الصراع الدرامي التي تتحدد من خلالها طبيعة الكتابة عند الكاتب ومدى قدرته على صياغة الأحداث و توليدها، ويحدد ملامح الشخصيات بأبعادها الاجتماعية والنفسية والجسمانية.
وإذا أردنا الاشتغال على الحوار سيميائيا " فإننا لابد اولا ان نجري تمييزا بين الجسم الأساسي للنص الدرامي والنص الذي يتضمن الارشادات المسرحية"
عموما عندما نتحدث عن النص الدرامي ،"نكون بصدد النص الورقي المكتوب الذي يحفظه الممثل ويلقيه على الخشبة باعتباره كلاما لسانيا أو علامة صوتية، أو ان صح التعبير حلقة من حلقات الخطاب المسرحي، يتشاكل مع الديكور والأزياء والمؤثرات ... لينتج عرضا مسرحيا يتألف من علامات بصرية و أخرى سمعية. غير ان الذي يجب ان لا يغيب عن اذهاننا ان كل ما يحدث على الخشبة من الممثل والسينوغراف والمخرج جاء تنفيذا واستجابة ظريفة لأوامر النص الورقي"
* الممثل علامة متحركة :
يتألف العرض المسرحي من عناصر مختلفة، يمكن الاستغناء عن بعضها ،لكن لا يقوم للعرض المسرحي قائمة إلا بوجود الممثل، لمكانته الحيوية ودوره في ايصال العلامات السمعية والبصرية الى الجمهور وفي المسرح يرتبط الممثل بالجسد و الجسد بالممثل الذي يعد" العنصر الرئيس على خشبة المسرح ، وكل ما هو خارج عنه مهم قدر كونه ضروريا له"
ولجسد الممثل خاصيتين اثنتين: تتجلى الأولى في كونه هو الوحيد القادر على بعث الحياة في كل مكونات العرض المسرحي، وثانيها أنه هو نفسه حاملا للخطاب المسرحي. "وقد كان حضوره قويا و أساسيا في كل المسارح منها الشعبية كالحلقة مثلا، والتي كان يشرف على تقديم فرجاتها بعض الافراد المتخصصين في فن الحكاية، والإيماءة والألعاب البهلوانية"
ونظرا للأهمية التي يحظى بها جسد الممثل ، وأهمية اللغات الصادرة عنه، بشقيها: اللغوي(لغة الحوار) والإشاري(الحركة والإيماءة) يمكننا الإشارة الى بعض التجارب الإخراجية التي اعتمدت على جسد الممثل باعتباره عنصرا أساسيا يمكن الاعتماد عليه في غياب العناصر الإخراجية الأخرى، كتجربة "قسطنطين ستانسلافسكي" و"جيروي كروتفسكي" ،و" أنطونان أرطو" اذ تعد هذه التجارب من التجارب الإخراجية التي ركزت على الممثل وإعداده باعتباره علامة يحمل العلامات.
حيث ركز "ستانيسلافسكي" على الجمع في إعداده للمثل بين اللياقة العقلية و البدنية والنفسية ،مع التركيز على الإعداد الصوتي، وتحسين النطق والقراءة الحركية، والارتجال، واستجماع الأحداث الدرامية، وتحديد أهدافها والظروف المحيطة بها ،بل واللجوء الى الذاكرة الانفعالية لمعايشة الدور.
والى جانب " ستانيسلافسكي" ،يعد "كروتوفسكي" من بين أكبر المخرجين الذين اهتموا بالممثل و اول من بلور نظرية " المسرح الفقير" الذي يعتمد على البحث و تعويض قلة الامكانيات بكفاءة الممثل " بإمكاننا الاستغناء عن التقنيات الصوتية والبصرية وذلك بتدريب الممثل على تعويض هذه الامكانيات عن طريق كفاءته الحركية والبصرية، عبر تشغيل جسده وحركاته..."
اما " أنطونان أرطو" مؤسس مسرح القسوة فيرى انه من الضروري في المسرح" الاعتماد على شعرية الحركة بدلا من التركيز فقط على شعرية الكلمة، التي لا يرى فيها سوى ثرثرة فارغة تصدر عن فكر مجرد، والجسد المادي الحسي الذي قد يكشف عما يجري في داخله من خلال الملامح او الحركات التي تتجلى فيه او تنعكس على مرآته"
انطلاقا من هذه التجارب الإخراجية وغيرها ندرك أهمية جسد الممثل ،تلك الأهمية التي وعاها المخرجون ،وحاولوا الاستفادة من لغة جسد الممثل ،وهي اللغة التي يستعصي على باقي مكونات الخشبة أن تبثها نحو المتلقي، وهذا ما يبرز اهمية العلامة الطبيعة مقارنة بنظيرتها الصناعية و التي يمثلها الديكور.
* الديكور علامة مصاحبة:
تتجلى اهمية الديكور في قدرته على التأثير في الجمهور ،ويتمتع بأهمية خاصة من الناحيتين الوظيفية والجمالية، إذ" يعتبر الدال المباشر على الزمان والمكان ،والمترجم للحالة النفسية التي يجري عليها الموقف او الحدث، وينسحب ذلك على جميع أشكال العروض المسرحية،"
وباستطاعة الديكور ان يحدد مكان الحدث و زمانه، ويمثل تحديدا مسبقا لماهية المكان وطبيعته، وينقل المتلقي من الزمن المباشر الى العصر الذي تجري فيه الأحداث، اذ يشكل لغة ، تتميز بكونها أكثر شمولية من الكلام، والمصمم المسرحي في تعبيره الدرامي يستخدم الديكور لتحقيق غايته في الوصول إلى هدف فني محدد .
ومن هنا يجب ألا نغفل اهمية الديكور ودوره خاصة عندما يرتبط بالإضاءة ، التي بالإضافة الى ادوارها التقليدية فهي يمكن أن تكون جزءا من الديكور او هي الديكور عينه.
* الاضاءة علامة مكملة
الإضاءة لغة وخطاب بصري معبر ،يوازي باقي الخطابات الفرجوية التي تساهم كلها في خلق الفرجة الدرامية،" وقد اهتم كثير من المخرجين بالإضاءة نظرا لأهميتها في تشكيل العرض الدرامي وإيصاله إلى الجمهور. من هنا فالإضاءة خطاب بصري وظيفي يقوم بدور هام في تفضية الخشبة وتبئير الأحداث والممثلين والفصل بين المشاهد والفصول. ومن المخرجين الرواد الذين اهتموا بالإضاءة نذكر بالخصوص السويسري" أدولف آبيا" والإنجليزي " إدوارد كوردن كريك". وتتعدى الإضاءة دورها في إضاءة الديكور والممثلين، إلى إبراز جمالية تشكل الجسد، والديكور وتعابير وجوه الممثلين فهي فاعلة ومتحركة تنشط الفضاء وتضفي عليه الحيوية بتناسق الأضواء والظلال ودورها لا يتحدد في إبداء الحقيقة وكيفية تشكلها عبر جسده، إنها وسيلة من وسائل التعبير الدرامي ولها نفس القدرة على التعبير مثل الموسيقى.
لقد سمحت الإضاءة ببروز إدراك جديد للفضاء المسرحي، وحققت تقدما هائلا ، و فتحت الآفاق امام العرض المسرحي ، وصارت لغة ذات بلاغة خاصة قادرة على التعبير والإغواء في وقت لم تعد البلاغة اللغوية قادرة إغواء المتفرج.
وتعمل الإضاءة باعتبارها واحدة من العلامات في سينوغرافية الصورة المسرحية على تأكيد الممثل عما حوله لا براز أهمية الدور الذي يقوم به، او إذا كانت الشخصية حالمة أو تأملية بما تلقى عليه من الوان خضراء او زرقاء او كانت الشخصية صاحبة فعل دموي او جنسي بما يسقط عليها من الوان حمراء، بالإضافة الى وظائف أخرى، علمية وجمالية.
وهكذا تبقى للإضاءة دور مهم في خلق الإيحاء وتشكيل خطاب التضمين، وإثراء شاعرية الأجواء والظلال، كما تتخذ سياقات نصية و دراماتورجية في تلويناتها وانعكاساتها الهندسية، وتقوم بتأشير الممثلين وتعيينهم باعتبارهم كتلا جامدة أو متحركة حركيا وجسديا وحصرهم مكانيا وتبئيرهم دراميا و التركيز عليهم تشخيصيا وتواصلا
* الازياء من اللغة الى التصنيف
إن ملاحظة بسيطة للشكل الخارجي للمثل ،لاشك انها تساعدنا على تصنيفه ،فالزي يعبر عن وضعية الممثل ،ويقدم لنا معلومات عن سنه والطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها، ووظيفته و دوره في المجتمع ونمط تفكيره، وقد تمتاز الأزياء بالأصالة او المعاصرة وبالحرفية والرمزية، وتلعب دورا هاما في التعريف بالشخصية وعمرها او مهنتها.
إن الحديث عن الملابس في المسرح يقودنا الى الحديث عن عصور طويلة من التطور ، لكن ما يهمنا هنا هو الوظيفة السيميائية التي تلعبها و الاضافة النوعية التي تقدمها للعرض المسرحي.
فالأزياء تعكس الانتماء الجغرافي ، والوضع الاجتماعي ،والحالة النفسية " وهذا ما يساعد الممثلين على الاندماج في ادوارهم وتقوية فاعلية الايهام لدى المتفرجين"
ومن خصوصية الزي الإشارة الى هوية الشخصية ثم مركزها ورتبتها بين بقية الشخصيات، كما من شأنه ان ينقلنا عبر الزمان، ويتجلى ذلك في الأعمال التاريخية، التي تتبدى تمفصلاتها من خلال نوع وطراز الأزياء ،لتضفي على العمل صفة المصداقية وتضيف اليه الجو المناسب" إن الملابس تحمل جانبا بصريا مهما يدخل في التركيبة التشكيلية للعمل ككل، مهما اختلفت نوعية العرض واتجاه المخرج"
إن اهمية الأزياء تكمن في " أنها العنصر البصري الأول في التعبير عن الشخصية في العمل الدرامي ،لا يضاهيها في ذلك عنصر آخر، فهي ليست من الزخرفة الاضافية للعمل ،بل هي جزء من الديكور بوصفها عناصر حية لها دلالتها في دعم اداء الممثل اثناء تقمصه"
وعموما فللملابس نظام علامتي قد نصفه بالخطير جدا مقارنة بالأشياء الأخرى. كما تلعب دورا في معرفة جنس الشخصية، "فشكل الزي يحدد الدور الوظيفي للشخصية داخل المجتمع (محامي، طبيب، فلاح...) وتحديد طبيعة المناخ وجغرافية المكان(حار، بارد، صحراوي...)،وملابس المرأة بطبيعة الحال تختلف عن ملابس الرجل" وهكذا فالملابس وطريقة لباسها ،اضافة الى شكلها و لونها ؛تلعب دورا مهما في طرح العديد من الدلالات، وتنعكس على مظهر الممثل ودوره وهيئته.
* المكياج علامة نفسية
قد يعتقد البعض ان المكياج من العناصر الزائدة في المسرح والتي يمكن ا لاستغناء عنها، لكن الحقيقة أنه ليس قناعا للوقاية من الأشعة المنبعثة من الكامرة او العاكسات الضوئية، إنما هو تقنية تساهم في إغناء العرض المسرحي وإثرائه وظيفيا وفرجويا، فالمكياج يعكس الشخصية وطبيعتها والقناع الدرامي التي تتخذه وسيلة لبلوغ هدفها ،بالإضافة الى أنه عامل يساعد الممثل على الاندماج مع عناصر العرض الأخرى، فهو يمنح" دور الملامح المميزة للشخصية والتي تعطيه صبغة واقعية أو غير واقعية ،فيحدد الممثل بخطوط ماكياجه واقعية الشخصية بما يتوافق مع عمرها وحالتها الصحية وموقفها الطبقي" إن توظيف المكياج لا يوضع اعتباطا، بل استجابة لمعطيات مختلفة، حسب الثقافة والفئة العمرية أو المستوى التعليمي، فالمرأة اليابانية تختلف في مكياجها عن المرأة الأوروبية او العربية، كما يلعب الماكياج والقناع دورا "فنتازيا" خاصة مع الشخصيات فوق انسانية، بالإضافة الى استخدامه في تجميل صورة الممثل او تقبيحها، حسب الحاجة
* المؤثرات الصوتية
توظف الموسيقى في المسرح إما على شكل مؤثرات اصطناعية او أصوات طبيعية محاكية، أو موسيقى تلحن وفق قواعد الموسيقى، أو اغاني هجينة بلغة مختلفة تصاحب بحركات ورقصات تعبيرية، كما يمكن ان تحضر كأصوات بشرية او آلية ،كما يمكن ان تكون من اداء الممثلين أو صدى منبعث من الآلة.
وتلعب المؤثرات الصوتية دورا هاما في التحديد الأيقوني للزمن؛ كدقات الساعة لتحديد الزمن، وصياح الديكة ،وتغريد الطيور لتحديد الوقت في الصباح ويمكن ان" تشير هذه المؤثرات الى المناخ والموسم بسقوط الامطار والرعد والبرق ، بالإضافة الى تحديد بيئة الفعل، من قبيل: صوت امواج البحر، صوت طيور البحر، صوت السفن، أصوات الحيوانات، صوت حفيف الاشجار، أصوات الضفاضع، أصوات ماكنات الحصاد..."
كما يمكن للموسيقى ان تدل على شخصية تصاحبها لحظة دخولها، أو تأكد مشاعرها العميقة، كما يمكن ان توحي بمرور الزمن "وتربط بين الفضاء المتخيل المعروض والفضاء المتخيل المتحدث عنه، وتخلق تلاحما بين صانعي الفرجة ومشاهديها"
* الجمهور وتعدد القراءات
يعتبر الجمهور من العناصر الأساسية في وجود العرض المسرحي، فهو متلقي العمل او المرسل اليه " إن المتفرج وهو جالس في صالة المسرح، يمكنه ان يتمتع ويتواصل مع الشخصيات أثناء المشاهدة ،يشعر بالانفعالات العميقة ،حيث يتقبل ويستوعب المسرحية(...) إن تواجد المتفرج داخل الصالة ،هو إ علان ضمني عن رغبته في التواصل، لذلك فالمتفرج ملزم بفك رموز العرض، وكل ما يحدث على الخشبة، يساهم في إثراء العملية التواصلية برمتها"
وهكذا يتلقى المتفرج العرض على شكل شفرات لغوية واخرى فنية ،ولكي يفهم التعبير اللفظي، يجب ان يكون على علم بلغة التخاطب ا و النسق اللغوي التي يتبناه العرض المسرحي، نفس الأمر بالنسبة للجانب الفني، فعلى المتلقي أن يكون مستعدا لفهم التعبير الفردي للممثل ،ولغته الخاصة او لغة اي فنان آخر، ولكن يوجد فرق مبدئي كبير بين فهم الدلالات اللغوية والفنية. فيما يتعلق بمجال اللغة وبالقدر الذي يتعلق الأمر بوظائفها باعتبارها اداة للتواصل، تتم عملية التلقي على النحو الآتي تقريبا: "عندما نسمع كلاما نفصل عنه كل ماهو فردي، ولا نثبت إلا ما هو واقعي اجتماعي في الجملة او الجمل التي سمعناها"
وإشراف مشرفة المجموعة / سماء الشريف
وذلك في تمام الساعة الخامسة بتوقيت السعودية - والقدس
بدأ الحوار بالتمهيد حول علم السيميائيات ثم عرض المحور الأول ومناقشته ثم الانتقال إلى المحور الثاني واستكمال النقاش ،
تخلل ذلك عرض ومضات في بطاقات استدلالية لسير الحوار .
وقد شارك عدد من أعضاء المجموعة ومشرفيها منهم : المخرج والممثل السعودي ورئيس فرقة مسرح الطائف - مؤسس المجموعة الأستاذ / سامي الزهراني ، كما شارك المسرحي العراقي د. مهند العميدي ، والناقد المصري د. محمود سعيد ، والدكتورة العمانية آمنة الربيع ، والمسرحي السعودي الأستاذ ناصر العُمري .
وكانت محاور النقاش وفق التالي :
* المحور الأول: سيميائيات المسرح المفهوم والنظريات
* ١-سيميائيات المسرح : المفهوم
إن محاولة استقصاء مفهوم سيميائيات المسرح، يفرض علينا العودة للبحث عن طبيعة التلاقح الحاصل بين السيميائيات كمنهج نقدي و المسرح كنمودج فني و إبداع فرجوي .ومن اجل استقصاء هذه العلاقة بين السيميائيات والمسرح نقف عند معجم المسرح " لباتريس بافيس" و"المعجم الموسوعي للمسرح " لميشيل كورفان" والمعجم المسرحي ل" ماري الياس" و "حنان قصاب".
وبالعودة لمعجم باتريس بافيس " معجم المسرح" نجده يعرف سيميائيات المسرح في الصفحة 350 ،أنها" منهج ينصب على تحليل النص او العرض ،ويهتم بالتنظيم الشكلي للنص أو الفرجة، وكذا بالتنظيم الداخلي للأنساق الدالة التي يتألف منها النص والفرجة، كما يعنى بدينامية سيرورة الدلالة، و بإنتاج المعنى بواسطة تدخل الممارسين والجمهور"
اما "مشيل فوطو" فيرى في كتابه "Les mots et les choses" أن سيميائيات المسرح " مجموعة المعارف و التقنيات التي تسمح بتعرف العلامات، وبتحديد ما يجعل منها علامات، ومعرفة العلاقات القائمة بينها، وقواعد تأليفها"
إن السيميائيات تهتم بنمط إنتاج المعنى عبر العملية المسرحية التي تمنح من قراءة المخرج للنص وصولا الى تأويل المتفرج.
أما "ميشيل كورفان" فقد تحدث عن سيميائيات المسرح في معجمه " المعجم الموسوعي للمسرح " ،حيث اعتبرها جزءا من السيميائيات العامة أو علم العلامات، ومنهجا في تحليل النصوص والعرض ،حريصا على نظامها الشكلي ودينامية وسيرورة بناء المعنى، آخذا بعين الاعتبار نظامها الصريح في حركيتها وموقعها المتطور لمعانيها وهي المعاني التي تكون بواسطة شراكة جامعة بين صانعي الفرجة والمتفرجين، وذلك هو مسعى المتمرسين المسرحيين والجمهور"
إن المنهج السيميائي أسلوب يطبق و يحلل المسرح بصورة منتظمة وتطبيقية، والسيميائيات المسرحية منهجا نسقيا للتحليل مطبقا في المسرح
لقد ارتبط ظهور سيمائيات المسرح ب"حلقة براغ" اللسانية في سنوات الثلاثينيات من القرن العشرين. خاصة بعد الأعمال المتلاحقة ل"زيخ Zich" " استستيقا الدراما"1931و" موكاروفزكيMukarovsky" 1934 و" فلتروتسكيVeltrusky"1940. واستمرت المجهودات
وكانت الرغبة في دراسة المسرح باعتباره لغة متكاملة ومستقلة استقلالا تاما، من الأسباب الحقيقية لظهور سيمياء المسرح.
لقد تحققت سيميائيات المسرح مع" مدرسة براغ" سنة1970 مع "طاديوز كاوزان T.kowzan" في " ادب وفرجة في علاقتهما الموضوعاتية والجمالية" ،أما في فرنسا فقد تم اقتراح التطبيقات الأولى من قبيل " ميشيل كورفان" ،وباتريس بافيس" في " مشاكل السيميولوجيا المسرحية" سنة1974، و" اندري هيلبوAndre Helbo" في "سيميولوجيا العرض المسرحي " سنة 1975، و"آن أوبرسفيلدAnne Ubersfeld" في " قراءة المسرح"سنة1977،ثم "إيفيلين إيرتيل Evelyne Ertel" في "عناصر من اجل سيميولوجيا المسرح".
أما العالم العربي فسيعرف سيميائيات المسرح ،مستفيدا من الدراسات الغربية التي تعتبر رائدة في هذا المجال، وهو ما تجلى في ما جاءت به الباحثتان " ماري إلياس" و" حنان قصاب حسن" في معجمهما المسرحي ،حيث ترى الباحثتان أنه في إطار الحديث عن تطور السيميائيات المسرحية يمكن التميز بين ثلاث مراحل أساسية:
- المرحلة الأولى: وتبدأ من ثلاثينيات القرن العشرين، حيث وضعت الأسس الأولى لسيميائيات المسرح من خلال " حلقة براغ" التي اعتمدت على الدراسات اللغوية ل" سوسير" وعلى الدراسات البنيوية ،وعلى الدراسات التي قام بها "الشكلانيون الروس " حول "الشعريةPoetique" .وقد ركزت دراسات هذه المرحلة على تحديد ماهية العلامة ووضعها في المسرح، مع اعتبار كل ما في المسرح علامة تتجاوز الوظيفة النفعية لتكتسب وظيفة رمزية ودلالية، كما اعتبرت العلامة وحدة اولية في تركيب المعنى، ودرست ديناميكيتها وتحولها، وعلاقتها بالأعراف المسرحية من خلال دراسة تطبيقية كتحليل العلامات في المسرحين الشعبي و الشرقي.
- المرحلة الثانية: تميزت هذه المرحلة بتعرف الغرب الأوربي وأمريكا على أحداث " حلقة براغ" و"الشكلانيين الروس" في الستينات والسبعينات، وظهرت أبحاث رائدة من قبيل محاضرة البولوني "طاديوز كاوزان T.Kawzan" "العلامة في المسرح"سنة1980، وتتجلى اهمية هذه المرحلة في كونها تم فيها تحديد وصياغة ماهية السيميائيات المسرحية، ومحاولة تطبيقها فعليا على النص والعرض؛ كما تتحدد ملامح هذه المرحلة من خلال المواضيع التي عالجتها هذه المرحلة ؛كإشكالية العلاقة بين النص و العرض، وطبيعة التواصل في المسرح.
- المرحلة الثالثة: في هذه المرحلة تم تخطي السيميائيات الكلاسيكية؛ لأنها ظلت منغلقة على مادة البحث و لم تربطه بسياق انتاجه. وتميزت هذه المرحلة باستفادة سيميائيات المسرح من تطور المناهج العلمية الأخرى، وتوجه البحث نحو التلاقح الثقافي والمثاقفة Interculturalite ونحو التداخل النصي أو التناص Intertextualite . وتم في هذه المرحلة أيضا دراسة الخطاب والكلام عندما يكون بمثابة الفعل "Actes de langage "وخصوصيتهما في المسرح ،ومحاولة تخطي نماذج البحث المستقاة من نظرية السرد المطبقة سابقا.
و عموما ورغم النشاط الكثيف الذي عرفه بداية القرن العشرين ،بعد اقتراح السيميائيات باعتبارها علما شاملا للعلامات من قبل "سوسير" و "بورس" ،و رغم ارتفاع أسهم المشروع السيميائي في السنوات الأخيرة خاصة في حقل الدراسات الأدبية ،إلا أن المسرح كان أقل اهتماما مقارنة بالشعر والرواية .رغم غناه التواصلي.
* سميائيات المسرح /الأسس النظرية :
ترتبط سيميائيات المسرح تاريخيا ، بثلاثينيات القرن العشرين مع مجموعة من المفكرين الغربين، إذ ظهرت الشذرات الأولى لسيميائيات المسرح مع " مدرسة براغ" التي تعتبر من السباقين لدراسة المسرح" دراسة سيميائية نسقية مؤسسة على خلفية نظرية وإبستيمولوجية واضحة، وانصب اهتمام روادها على فنون مختلفة من ضمنها المسرح" "وكانت الأشكال المسرحية التي اشتغلوا عليها متنوعة، شملت المسرح الشعبي في الغرب، وكذا بعض المسارح الشرقية كالمسرح الصيني والمسرح الياباني وغيرهما" محاولين رصد كل الأسئلة ومناطق الاهتمام ف" كل ما يقدم الى المتفرج في إطار المسرح هو علامة، كما أدركت ذلك "مدرسة براغ" التي لم يسبقها أحد إلى ذلك"
لقد عرفت بداية التحليل السيميائي للمسرح، تناول الباحثين للخطاب منفصلا حيث النص الدرامي ونص العرض، وبدأت هذه الممارسة مع رواد " حلقة براغ" الأوائل الذين تناولوا الظاهرة المسرحية من زاوية النص الدرامي ومن الزاوية الشكلية، وهكذا أصبح العرض المسرحي مهما في التحليل، وهو ما طرح اشكالية ؛تتجلى في العلاقة بين النص و العرض، واستجلاء الصلات والوشائج بينهما ومن هنا نستنتج " أن البحث السيميوطيقي الذي قامت به " حلقة براغ" ،ركز على تعريف العلامات بدلا من محاولة تصنيفها في إطار العرض ،كما أن المداخل السيميوطيقية لمقاربة المسرح في النصف الثاني من القرن العشرين، قد ركزت على تنظيم النتائج التي تم التوصل إليها"
ومن بين ما يحسب ل"مدرسة براغ" اللغوية، كونها نظرت الى اللغة من جانبها الوظيفي.
وبالعودة للحوار الذي أجرته مجلة "تيل كيل "مع الناقد "رولان بارت" سنة 1963 ، والذي أعيد نشره سنة 1964، تحت عنوان " الأدب والدلالة Littérature et signification"ضمن كتاب " بحوث نقديةEssais-Critiques "،يقول" ما المسرح ؟ إنه عبارة عن آلة سيبرنيطيقية، فعندما تكون متوقفة تكون محجوبة، لكن بمجرد إزاحة الستار عنها. تبعث لك العديد من الرسائل ، وما يميز هذه الرسائل هو أنها تكون متزامنة ، وإن كان إيقاعها متباينا، فالمتفرج يتلقى في كل لحظة من لحظات العرض ست معلومات أو سبعا(صادرة عن الديكور والملابس والإضاءة ومكان الممثلين وحركاتهم وإيماءاتهم وكلامهم)،غير أن بعض هذه المصادر الإعلامية يظل مكانه (وهذه حال الديكور)، بينما تتغير المصادر الأخرى (شأن الكلام والحركات...) فنكون إزاء بوليفونية حقيقية"
ويقول بارث في نفس السياق :" في علم العلامات نجد أننا سنتعامل مع أنظمة مختلطة تتكون من العديد من المواد(الصوت، والصورة، و الأشياء والكتابة) وربما من الأفضل ان نجمع هذه العلامات تحت مفهوم واحد هو العلامة النمطية اللغوية و التخطيطية والأيقونة والإشارية ،فهذه كلها كلمات نمطية"
إننا في تلقي العرض المسرحي ، نكون بصدد التعبير الدرامي الصوتي ، والتعبير الدرامي المرئي، إلا أنهما يتوحدان لتحقيق الأثر لدى المتلقي مستفيدين من اللغة كوسيط بين الصوت والفكرة كما يقول "رولان بارت " بالإضافة الى كونهما وسيطا بين الحركة أو الصورة والفكر، فالمسرح" يتشكل من مجموعة من الصور الصوتية والمرئية المترابطة ترابطا دراميا سواء في الكوميديا أو في التراجيديا أو في غيرهما من أشكال التعبير الدرامي، في المسرح تندرج كلها تحت مفهوم العلامات المسرحية..."
إن فهم العالم يرجع الى طريقة واحدة وتتمثل في قراءة العلامات ، المطروحة في الطريق ، لذلك فنحن نقرأ الذين نراهم في الشارع ،حسب ما يرتدونه من اللباس؛ الشعر الأشعث، والملابس المهلهلة والأحذية غير الملائمة تدل على البؤس. أما القبعة والبذلة والحذاء المنسجم والمظلة تدل على واحد من رجال المدينة المرموقين. رغم كوننا قد نتورط في هكذا قراءات، لمعرفتنا بشفرات الملابس وتأثرنا بذلك ، ولا نعرف هل هذا مقصود حقا ، وهذا يتناقض مع المسرح الذي يشير كل ما فيه ومن عليه الى معنى فني محدد مسبقا.
ويعتبر " رولان بارث"من المتحمسين للتصور السوسيري ، رغم التعديلات والاضافات التي قام بها يقول "بارث" عن العرض المسرحي :أنه" فعل سيمانتيكي (علاماتي ، سيميائي) مركزا الى أقصى حد، يستخدم كأداة للتواصل، دلالاته تفضي بطريقة تكاد تكون منتظمة دائما الى بعض المضامين، لذا كان المسرح فن الشفرة والاصطلاح اكثر من الفنون الأخرى، واعتماده على الشفرة هو احد معطياته الأساسية"
إن الحديث عن سيميائيات المسرح، يقترن بالباحث الفرنسي، ذي الأصل البولوني" طاديوز كاوزان T.Kowzan " الذي رسم تاريخ سيميائيات المسرح رسما كرونولوجيا ،من خلال مقالته الشهيرة" ثلاثة وعشرون قرنا أو اثنتان وعشرون سنة؟vingt-trois siècle ou
vingt-deux ans? " وهو المقال الذي ترجم الى عدة لغات ،وقد ترجمه الباحث المغربي "محمد التهامي العماري" الى العربية ونشره الى جانب مقالات أخرى ذات طابع سيميائي في كتابه " حقول سيميائية".
لقد رسم " كاوزان" تاريخ سيميائيات المسرح كرونولوجيا في خمس مراحل:
- المرحلة الأولى: من " أفلاطون و " أرسطو" مرورا ب" القديس أوغسطين" "والرواقيين" ثم وصولا الى الفيلسوف الإغريقي" أمونيوس هيرمايي"،وسمى هذه المرحلة بما قبل سيميائيات المسرح.
- المرحلة الثانية: وجاءت متزامة مع القرنين السابع عشر والثامن عشر، وعرفت ظهور موجة من الأبحاث المتعلقة بالإيماء المصاحبة للخطاب" لغة الجسد"، وأشار في هذه المرحلة الى بعض الأسماء التي بصمت في سيميائيات المرحلة، من قبيل " جيوفاني بونيفاسو Ginovanni Bonifaccio " في كتابه "فن الإيماء"سنة1616،والقس" مشال دوبير Michel se Pure " وغيرهما ،وسمى هذه المرحلة بمرحلة التشكيل الجينيني لسيميائيات المسرح.
- المحطة الثالثة: واقترنت في تقسيم "كاوزان" بنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وبكتاب "دروس في اللسانيات العامة" للسويسري "فرديناند دي سوسيرF.De Saussure "، وتصورات "شارل ساندرس بورس CH.S.Peirce" وهذه المرحلة سماها "كاوزان" بمرحلة السيميولوجيا والمسرح.
- المحطة الرابعة: هذه أهم مرحلة بالنسبة الى " طاديوز كاوزان "،وقد بدأت مع " حلقة براغ" و" رولان بارث" في ثلاثينيات القرن العشرين، ويرى أن حقل العلامة في مختلف مظاهر الفن المسرحي، لم يزدهرإلا في الثلاثينيات مع منظري " حلقة براغ".
- المحطة الخامسة: وتتمثل في سنوات السبعينات و الثمانينات من القرن العسرين، وشكلت هذه المرحلة بالنسبة اليه منعطفا هاما في تاريخ سيميائيات المسرح،اذ تضاعفت الكتب والمقالات في أوربا والعالم.
وانتقل "كاوزان" بعد ذلك للحديث عن الخطاب المسرحي و مكوناته، وحدد ثلاثة عشر نسقا علامتيا يعمل في العرض المسرحي وهي:" الكلمات وتغيير نغم الصوت وتعبير الوجه والإيماءة وحركة الجسد والماكياج وزي الرأس والملابس واللوازم والديكور والإضاءة والموسيقى والمؤثرات الصوتية"
ونستنتج من خلال السرد الكرونولوجي الذي قام به "كاوزان" للظاهرة العلاماتية المرتبطة بالمسرح ، كأنه يقول لنا ان ما كتب خلال الاثنتين وعشرين سنة الأخيرة من صفحات ،من اعمال أصلية، تعادل أضعاف ما كتب طوال ثلاثة وعشرين قرنا ، وهذا ما يمكن ملاحظته من العنوان.
بالإضافة الى "كاوزان" يعد "كير إيلام K.Elam" واحدا من الذين فرضوا، أنفسهم من خلال ما قدمه لسيميائيات المسرح من خلال كتابه" سيمياء المسرح والدراما"،حيث تحدث فيه عن سيمياء المسرح من زاويتين: زاوية النص وزاوية العرض. وتطرق لإشكالية التواصل في المسرح من زاوية التلقي، فيذهب الى أن المتلقي يعقد اتفاقا يمنح بموجبه الممثل نسبة مرتفعة من النطق (الكلام)،ويملك المتلقي حق الانسحاب ،لحظة اكتشافه بأن الممثل يسيء استعمال المبادرة الموكلة اليه. وفي نفس الوقت يرى ان لرد فعل المتلقي تأثير كبير على العرض نفسه وفي تلقيه له، فاتصال المتلقي بالمؤدي يمكن أن يؤثر ،في غياب أي تأثير آخر،في درجة التزام الممثل بعمله.
" إن تركيز "إيلام" على التواصل المسرحي في كتابه كان واضحا، لأن أهمية التواصل والتلقي في المسرح عنده بلغت إلى حد القول بأن العلاقة بين عالم الواقع وعالم المسرح مشروطة بمدى قدرة المتلقي على الانتقال من عالم الواقع إلى عالم الاحتمال، كما يرى أن لكل إشارة نظامها ووظيفتها الخاصة بها، وعلى المتفرج أن يحولها بعد ذلك إلى دلالات تتجمع وتتراكم حول هدف واحد، ويرى ان الترادف يعمل في النص أو في العرض على جميع الإشارات المسرحية في نظام مسرحي يجانس أو يقارب بين الشفرات المسرحية والشيفرة الحضارية ويوحد بينهما" وبالتالي ف "الشيفرة في المسرح هي ما يعكس كل نظام مسرحي من نظم ومواقف حضارية، وذلك ينسحب على النص المسرحي البنيوي وفق الاتجاه البنيوي الماركسي الذي يهتم بالأنساق الحضارية والتاريخية والاجتماعية"
وعن الخطاب المسرحي يرى "إيلام " أنه من المستحيل التحدث عن رسالة مسرحية مفردة ،بل عن رسائل متعددة تستخدم في آن واحد من اجل إنشائها قنوات، او ضروب كثيرة من ضروب استعمال قناة في الاتصال تجمع في تركيب جمالي، أو إدراكي ويمكن للمتلقي ان يفسر هذا المركب من الرسائل على انه نص موحد بما يتفق و الشفرات المسرحية والدرامية التي في حوزته، ويمكنه أن يقوم أيضا بإرسال الإشارات صوب المؤدين (الضحك والتصفيق والهمهمة...) على طول قنوات بصرية وسمعية، والتي يمكن تفسيرها من طرف كل من المؤدي والمتلقي باعتبارها تعبيرا عدائيا او ما شابه ذلك.
لقد تتبع "إيلام " العلامات المسرحية، وكان اشتغاله واضحا ،من خلال تتبع مسار العلامة المسرحية من النص الدرامي الى حدود العرض المسرحي، اذ يرى ان واقعية النص والعرض تنعكس من خلال الإطار الزمني "الآن" والمكاني" هنا" والاطار الحواري. كما يرى ان عالم المسرح : عالم متماثل مع عالمنا وغير متماثل معه في آن واحد؛ والمتلقي يدرك ذلك جيدا"
وحاول " إيلام" توضيح كلامه حول أهمية التواصل في المسرح، ويؤكد ان العلاقة بين الخشبة والمتلقي شبيهة بالرسالة اللغوية التي تتم بين كل من متكلم ومستمع، و هو الطرح الذي ستفنده فيما بعد نظرية التغريب، ورفضه ايضا اللساني الفرنسي " جورج مونانG.Mounin " وذلك في مقالته الشهيرة " التواصل المسرحي" سنة1969، حيث نفى فيها صفة التواصل عن المسرح، بحجة أن المتلقي فيه لا يمكن أن يصبح مرسلا، حيث يستخدم شفرات المرسل الأول نفسها. وبالتالي فالإبلاغ فيه احادي الاتجاه، مما يجعل ادوار المشاركين ثابتة، فكل ما يمكن الحديث عنه حسب "مونان" هو " الإثارة" أي مجموعة من المثيرات الصادرة عن الخشبة تتولد عنها استجابات لدى الجمهور"
أما "آن أوبيرسفيلد A.Ubersfeld " فقد عالجت المسرح من زاوية سيميائية، ويتجلى ذلك في دراستين أساسيتين وهما :"قراءة المسرح" و" مدرسة المتفرج" وتطرقت فيهما بالدراسة والتفصيل لكل ما يتعلق بالعلامة المسرحية.
إن المتأمل لكتاب "فراءة المسرح " يجد دون كبير عناء أنه يمنح القارئ بعض المفاتيح البسيطة، وقد تطرقت " أوبرسفيلد" لفعل القراءة ،و الذي كانت تقصد به إبراز مختلف أشكال تحليل العرض والعلاقة بينه وبين النص، مبرزة أن مهمة السيميائيات تكمن في تفتيت الخطاب ، لقد حاولت "أوبر سفيلد" ان تبرز العلاقة القائمة بين النص الدرامي والعرض المسرحي، حيث تتجلى مكانة المسرح في هذه الثنائية، حيث يبدو المسرح حسب "أوبرسفيلد":"أكثر من أي فن آخر "ممارسة اجتماعية"، وهي ممارسة لا تنتفي فيها علاقة المسرح بالعملية الإنتاجية، أي بالصراع بين الطبقات"
وترفض "أوبر سفيلد" التمييز بين النص والعرض لأن ذلك يقود الى الالتباس، وترى في العرض تعبيرا عن النص الأدبي وترجمة له، ومن ثم تصبح مهمة المخرج هي ترجمة النص بلغة أخرى، وواجبه الاول ان يظل امينا مع النص مخلصا له، بينما يظل المضمون مماثلا للشكل عند المرور من نسق علامات العرض،" فمجموع العلامات البصرية والمسموعة والموسيقية التي يخلقها المخرج ومصمم الديكور والموسيقيون والممثلون تشكل معنى ما (أو نخبة من المعاني) التي تتخطى النص في مجمله"
تقول " أوبرسفيلد":" من الأكيد ان على السيميائيات ان تهتم بمجموع الخطاب المسرحي(...)بيد ان رفض التمييز بين النص والعرض من شأنه ان يقود إلى كل أشكال الخلط ،لأن تحليلهما لا يتوسل بالأدوات المفهومية نفسها. وهو خلط ذو أوجه عدة، وله ضلع في المواقف التبسيطية التي تختزل الواقعة المسرحية" وتقصد بالمواقف التبسيطية" تلك التي تعتبر العرض مجرد ترجمة للنص، بكل ما تقتضيه الترجمة من تناظر بين المكونين، وتدحض هذا الرأي، وتقترح النظر إلى كل من النص والعرض باعتبارهما مجموعتين متمايزتين ومتكاملتين ومتقاطعتين" وتقول في موضع آخر من الكتاب ،بأن العرض يتضمن نصين اثنين: نص المؤلف(النص الدرامي) ونص صانعي الفرجة(المخرج و السينوغراف،...)،وبذلك صارت العلاقة بين النصين علاقة تضمن واحتواء لا علاقة تقاطع.
وفي الفصل الثاني من كتابها ، تحدثت "أوبرسفيلد" عن النموذج الفاعلي في المسرح وعن كيفية انتقال من الفاعل الى الشخصية، حيث رأت ان طريق التحليل السيميائي هو تحديد"
الوحدات" في مجال المسرح " غير انه من الصعب بشكل خاص استيعاب هذه الوحدات التي قد لا تكون مطابقة لبعضها وفقا لمنظور النص أو العرض"
اما في الفصل الثالث ،فقد تطرقت الى الشخصية، واعتبرت أن مفهوم الشخصية (النصية-العرضية) في علاقتها بالنص وبالعرض مفهوم لا تستطيع سيميائيات المسرح في الوقت الحالي ان تحيط به، حتى وإن لم نعتبره "مادة"(شخصا، روحا، خلقا، فردا ، متفردا)،أو مكانا هندسي من البنيات المتفرقة، ذو خاصية جدلية "وسطية" "إننا لا نرى خلف الشخصية حقيقة ما تسمح ببناء خطاب أو خطاب واصف ما، وإنما نقطة التقاء عدد من الوظائف المستقلة نسبيا"
اما في الفصل الأخير من هذا الكتاب فقد أشارت الى مكونات الفضاء المسرحي، واعتبرت ان اول خاصية ،يتميز بها النص الدرامي هي" استخدام شخصيات يمثلها ممثلون، ووجود فضاء تحيا فيه هذه الكائنات الحية، واعتبرت الممارسة المسرحية هي العناصر التي تسمح ببناء المكان المسرحي والتي تستقي من الإرشادات المسرحية، مثل :إشارات الأماكن وأسماء الشخصيات والإشارات الخاصة بالإيماءات والحركات..."
ثم حددت العلامات المكانية في المسرح بشقيه الطبيعية والاصطناعية، وهكذا " يصبح الفضاء المسرحي أيقونة لفضاء اجتماعي ثقافي ما، ومجموعة من العلامات المشكلة جماليا مثل التصوير التجريدي"
خلاصة لما سبق ، نستنتج أن من كل الاقتراحات حاولت تعريف سيميائية المسرح ، بكونها تدرس مختلف أنواع العلامات الموجودة في العرض المسرحي، وقد ادى اهتمام السميائيات بالمسرح إلى تشعب الدراسات ، الى الحد الذي يمكن القول معه أن هناك فيضا زاخرا من النظريات السيميائية التي تطرقت للمسرح، لكن يبقى الهدف الرئيس لها جميعا ، معاينة الدلالة، وإبراز علاقة العمل المسرحي بالعالم من خلال نمط إنتاج المعنى، وبمراعاة كلية النسق الدرامي الذي يبدأ بقراءة النص من لدن المخرج وينتهي بتأويل العرض من طرف المتلقي.
* المحور الثاني :
عناصر التواصل المسرحي :
تتداخل عدة عناصر في بلورة الخطاب المسرحي ،وبناء الرسالة المسرحية، وبعثها نحو المتلقي، الذي يعمل طيلة العرض على فك الرموز والشفرات التي نسجها المخرج في قالب فرجوي له بداية ووسط ونهاية. لذلك سنعمد في هذا المحور الى بيان مكونات التواصل المسرحي وكيفية اشتغاله داخل العرض المسرحي.
* السينوغرافيا فضاء بصري:
غالبا ما نتحدث في المسرح عن وجود نصين: نص المؤلف ونص المخرج ،واذا ما قبلنا فرضيا بهذا الطرح، فباستطاعتنا الحديث عن نص آخر ثالث وهو نص السينوغراف الذي يمثل نقطة التقاء بين المخرج والممثل والسينوغراف والمؤلف.
وبالإضافة الى المكونات الأخرى ،تعتبر السينوغرافيا من الركائز التي حظيت وتحظى بأهمية بالغة من جانب القيمين والساهرين على إعداد العروض المسرحية، ويرجع الدراسون السينوغرافيا Scénographie الى جذورها اليونانية"سكينغرافين Skenegraphein والتي تعني تصميم الديكور وتزين واجهة المسرح بالألوان الخشبية المطلية بالرسوم.
وتعنى السينوغرافية بهندسة الفضاء المسرحي وغيرها من الفضاءات، وتعتبر العتبة الاولية لفهم العمل المسرحي ومحتواه ،أو على الأقل الترميز لهذا المحتوي بمجموعة من الإشارات والعلامات والرموز، التي يتم توظيفها لأغراض دلالية وجمالية ووظيفية، " ونقصد بالحضور الوظيفي ،جعل مشاركة السينوغرافيا في العمل المسرحي بمثابة الكلمة الفاعلة، أي انها تؤدي دور /وظيفة ممثل او أكثر فوق الركح، إذ تستطيع أن تقول بلغتها الرمزية والتشكيلية والبصرية ما لا يستطيع النص او الإخراج قوله أو اداءه، وبالتالي مشاركتها ليست ثانوية بقدر ما هي مشاركة أساسية وحاسمة في نجاح او فشل العرض المسرحي."
إن الحديث عن السينوغرافية ،لا يمكن ان يتم دون الحديث عن علمين كبيرين ،وهما السويسري" أدولف أبيا A.Appia " و الإنجليزي "إدوارد كوردن كريك I.G.Graig " حيث قاما بمجهودات جبارة من اجل تطوير السينوغرافيا.
وقد ساعد التقدم التكنولوجي وثورة الاتصال التي عرفتها اوروبا في تلك الفترة، وبالموازاة مع هذه الثورة تقدمت مختلف العلوم، وبرز جيل جديد في كل مجال، وساهم ظهور المخرجين في القرن التاسع عشر ،بشكل مباشر وفعال في إبراز مفهوم السينوغرافيا ودورها الأساسي في العرض المسرحي انطلاقا من رؤاهم التجريبية في الإخراج، ومن السينوغرافيين المتخصصين في القرن التاسع عشر نذكر؛ "جوزيف زفوبودا Josef Svoboda "و "روني أليوRene Alliot" وغيرهما.
تهتم السينوغرافيا بهندسة الفضاء المسرحي في اطار ركحي، وتحاول إعطاء معنى للفراغ، ولمجموع العناصر المكونة للفضاء المسرحي، وفق معايير ومقاييس التوازن والتناغم والانسجام وتشكيله بالإمكانيات التعبيرية والرمزية والايحائية التي تنتجها باقي المكونات الاخرى، لأجل خلق فضاء مشحون بالدلالة والشاعرية والدرامية.
إن السينوغرافيا تهدف إلى تأثيث وتزيين ،وترتيب عناصر الديكور والأثاث و الإكسسوارات والإطارات ، من اجل إبراز واضفاء البعد الرمزي على الخشبة. لأن كل ما يوجد على الركح بإمكانه أن يؤدي أكثر من وظيفة دلالية، وهنا يصبح بالإمكان اعتبار الممثل اداة سينوغرافية، إذ يؤدي دور الشاب و الشيخ والمرأة ،ويمكن لشباك النافذة أن يتحول على الركح الى سجن ،والعصا الى حصان ، والستارة الزرقاء الى بحر وغيرها " غير ان مفارقة السينوغرافيا تظهر حينما نكتشف انها مرئية ومنسية في آن معا، مرئية لأنها تصوغ المكان وتملأه، ومنسية لأنها مكانية محجوبة"
إن قدرة العلامة المسرحية بصورة عامة ، والعلامة السينوغرافية بخاصة على التحول هو الطابع الذي تتميز به،" وبفضل هذا التحول نفهم لماذا يستطيع البناء المسرحي كله أن يتحول في أي لحظة. ومن خلال السينوغرافيا تظهر قوة الزمان وقوة المكان للنص المسرحي"
ومن خصائص السينوغرافيا الميل الى التعقيد ففي بعض الحالات ، يضطر المتلقي الى الجمع بين عدة علامات كي يكشف المدلول المركب
العنصر الثاني وفق التصميم :
* النص الدرامي رسالة صوتية
للمسرح لغته الخاصة به ،" بغض النظر عن طبيعة هذه اللغة وخصوصيتها اللسانية، سواء كانت فرنسية ام عربية ،صينية او إنجليزية الخ... وبغض النظر هل كتب حواره شعرا ام نثرا، وبغض النظر أخيرا هل كتب بالفصحى او بالعامية" وعندما يلج المتلقي الصالة لا يكتفي بالكلمة المنطوقة بل يبحث عن رسالة مسرحية مكتملة، تشتبك في الكلمة مع حركة الممثل والملابس والإضاءة والديكور... وإن كان بعض الباحثين لا يرضى عن الخطاب المسرحي إلا باعتباره نصين، نص المؤلف ونص المخرج.
وعندما نتحدث عن نص المؤلف نقصد به النص الدرامي، حيث نفكر بوعي او بدون وعي، في الجانب الأدبي للمسرح، و "لا يمكن الاستغناء عن النص الدرامي أو تعويضه إلا نادرا ويعرف بكونه بناء من الألفاظ والجمل والتراكيب والعبارات والأصوات المكونة للنص، ومن عمليات ترابطها وتقاطعها وتقابلها وتكرارها تتكون وحدة منسجمة تبلور مجمل رؤية الكاتب " لأن " عناصر النص هي اللغة والسرد والغناء والارشادات ،في حين أن عناصر العرض هي النص والأداء والمناظر والملابس والإضاءة والموسيقى التصويرية..."
النص الدرامي أداة الكاتب الأساسية في الإفصاح عما يحسه ويريد التعبير عنه ويحدد موقفه منه فيكون مصدوما او مندهشا أو مقتنعا... وبواسطة الحوار يدفع الكاتب نبرة الصراع الدرامي التي تتحدد من خلالها طبيعة الكتابة عند الكاتب ومدى قدرته على صياغة الأحداث و توليدها، ويحدد ملامح الشخصيات بأبعادها الاجتماعية والنفسية والجسمانية.
وإذا أردنا الاشتغال على الحوار سيميائيا " فإننا لابد اولا ان نجري تمييزا بين الجسم الأساسي للنص الدرامي والنص الذي يتضمن الارشادات المسرحية"
عموما عندما نتحدث عن النص الدرامي ،"نكون بصدد النص الورقي المكتوب الذي يحفظه الممثل ويلقيه على الخشبة باعتباره كلاما لسانيا أو علامة صوتية، أو ان صح التعبير حلقة من حلقات الخطاب المسرحي، يتشاكل مع الديكور والأزياء والمؤثرات ... لينتج عرضا مسرحيا يتألف من علامات بصرية و أخرى سمعية. غير ان الذي يجب ان لا يغيب عن اذهاننا ان كل ما يحدث على الخشبة من الممثل والسينوغراف والمخرج جاء تنفيذا واستجابة ظريفة لأوامر النص الورقي"
* الممثل علامة متحركة :
يتألف العرض المسرحي من عناصر مختلفة، يمكن الاستغناء عن بعضها ،لكن لا يقوم للعرض المسرحي قائمة إلا بوجود الممثل، لمكانته الحيوية ودوره في ايصال العلامات السمعية والبصرية الى الجمهور وفي المسرح يرتبط الممثل بالجسد و الجسد بالممثل الذي يعد" العنصر الرئيس على خشبة المسرح ، وكل ما هو خارج عنه مهم قدر كونه ضروريا له"
ولجسد الممثل خاصيتين اثنتين: تتجلى الأولى في كونه هو الوحيد القادر على بعث الحياة في كل مكونات العرض المسرحي، وثانيها أنه هو نفسه حاملا للخطاب المسرحي. "وقد كان حضوره قويا و أساسيا في كل المسارح منها الشعبية كالحلقة مثلا، والتي كان يشرف على تقديم فرجاتها بعض الافراد المتخصصين في فن الحكاية، والإيماءة والألعاب البهلوانية"
ونظرا للأهمية التي يحظى بها جسد الممثل ، وأهمية اللغات الصادرة عنه، بشقيها: اللغوي(لغة الحوار) والإشاري(الحركة والإيماءة) يمكننا الإشارة الى بعض التجارب الإخراجية التي اعتمدت على جسد الممثل باعتباره عنصرا أساسيا يمكن الاعتماد عليه في غياب العناصر الإخراجية الأخرى، كتجربة "قسطنطين ستانسلافسكي" و"جيروي كروتفسكي" ،و" أنطونان أرطو" اذ تعد هذه التجارب من التجارب الإخراجية التي ركزت على الممثل وإعداده باعتباره علامة يحمل العلامات.
حيث ركز "ستانيسلافسكي" على الجمع في إعداده للمثل بين اللياقة العقلية و البدنية والنفسية ،مع التركيز على الإعداد الصوتي، وتحسين النطق والقراءة الحركية، والارتجال، واستجماع الأحداث الدرامية، وتحديد أهدافها والظروف المحيطة بها ،بل واللجوء الى الذاكرة الانفعالية لمعايشة الدور.
والى جانب " ستانيسلافسكي" ،يعد "كروتوفسكي" من بين أكبر المخرجين الذين اهتموا بالممثل و اول من بلور نظرية " المسرح الفقير" الذي يعتمد على البحث و تعويض قلة الامكانيات بكفاءة الممثل " بإمكاننا الاستغناء عن التقنيات الصوتية والبصرية وذلك بتدريب الممثل على تعويض هذه الامكانيات عن طريق كفاءته الحركية والبصرية، عبر تشغيل جسده وحركاته..."
اما " أنطونان أرطو" مؤسس مسرح القسوة فيرى انه من الضروري في المسرح" الاعتماد على شعرية الحركة بدلا من التركيز فقط على شعرية الكلمة، التي لا يرى فيها سوى ثرثرة فارغة تصدر عن فكر مجرد، والجسد المادي الحسي الذي قد يكشف عما يجري في داخله من خلال الملامح او الحركات التي تتجلى فيه او تنعكس على مرآته"
انطلاقا من هذه التجارب الإخراجية وغيرها ندرك أهمية جسد الممثل ،تلك الأهمية التي وعاها المخرجون ،وحاولوا الاستفادة من لغة جسد الممثل ،وهي اللغة التي يستعصي على باقي مكونات الخشبة أن تبثها نحو المتلقي، وهذا ما يبرز اهمية العلامة الطبيعة مقارنة بنظيرتها الصناعية و التي يمثلها الديكور.
* الديكور علامة مصاحبة:
تتجلى اهمية الديكور في قدرته على التأثير في الجمهور ،ويتمتع بأهمية خاصة من الناحيتين الوظيفية والجمالية، إذ" يعتبر الدال المباشر على الزمان والمكان ،والمترجم للحالة النفسية التي يجري عليها الموقف او الحدث، وينسحب ذلك على جميع أشكال العروض المسرحية،"
وباستطاعة الديكور ان يحدد مكان الحدث و زمانه، ويمثل تحديدا مسبقا لماهية المكان وطبيعته، وينقل المتلقي من الزمن المباشر الى العصر الذي تجري فيه الأحداث، اذ يشكل لغة ، تتميز بكونها أكثر شمولية من الكلام، والمصمم المسرحي في تعبيره الدرامي يستخدم الديكور لتحقيق غايته في الوصول إلى هدف فني محدد .
ومن هنا يجب ألا نغفل اهمية الديكور ودوره خاصة عندما يرتبط بالإضاءة ، التي بالإضافة الى ادوارها التقليدية فهي يمكن أن تكون جزءا من الديكور او هي الديكور عينه.
* الاضاءة علامة مكملة
الإضاءة لغة وخطاب بصري معبر ،يوازي باقي الخطابات الفرجوية التي تساهم كلها في خلق الفرجة الدرامية،" وقد اهتم كثير من المخرجين بالإضاءة نظرا لأهميتها في تشكيل العرض الدرامي وإيصاله إلى الجمهور. من هنا فالإضاءة خطاب بصري وظيفي يقوم بدور هام في تفضية الخشبة وتبئير الأحداث والممثلين والفصل بين المشاهد والفصول. ومن المخرجين الرواد الذين اهتموا بالإضاءة نذكر بالخصوص السويسري" أدولف آبيا" والإنجليزي " إدوارد كوردن كريك". وتتعدى الإضاءة دورها في إضاءة الديكور والممثلين، إلى إبراز جمالية تشكل الجسد، والديكور وتعابير وجوه الممثلين فهي فاعلة ومتحركة تنشط الفضاء وتضفي عليه الحيوية بتناسق الأضواء والظلال ودورها لا يتحدد في إبداء الحقيقة وكيفية تشكلها عبر جسده، إنها وسيلة من وسائل التعبير الدرامي ولها نفس القدرة على التعبير مثل الموسيقى.
لقد سمحت الإضاءة ببروز إدراك جديد للفضاء المسرحي، وحققت تقدما هائلا ، و فتحت الآفاق امام العرض المسرحي ، وصارت لغة ذات بلاغة خاصة قادرة على التعبير والإغواء في وقت لم تعد البلاغة اللغوية قادرة إغواء المتفرج.
وتعمل الإضاءة باعتبارها واحدة من العلامات في سينوغرافية الصورة المسرحية على تأكيد الممثل عما حوله لا براز أهمية الدور الذي يقوم به، او إذا كانت الشخصية حالمة أو تأملية بما تلقى عليه من الوان خضراء او زرقاء او كانت الشخصية صاحبة فعل دموي او جنسي بما يسقط عليها من الوان حمراء، بالإضافة الى وظائف أخرى، علمية وجمالية.
وهكذا تبقى للإضاءة دور مهم في خلق الإيحاء وتشكيل خطاب التضمين، وإثراء شاعرية الأجواء والظلال، كما تتخذ سياقات نصية و دراماتورجية في تلويناتها وانعكاساتها الهندسية، وتقوم بتأشير الممثلين وتعيينهم باعتبارهم كتلا جامدة أو متحركة حركيا وجسديا وحصرهم مكانيا وتبئيرهم دراميا و التركيز عليهم تشخيصيا وتواصلا
* الازياء من اللغة الى التصنيف
إن ملاحظة بسيطة للشكل الخارجي للمثل ،لاشك انها تساعدنا على تصنيفه ،فالزي يعبر عن وضعية الممثل ،ويقدم لنا معلومات عن سنه والطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها، ووظيفته و دوره في المجتمع ونمط تفكيره، وقد تمتاز الأزياء بالأصالة او المعاصرة وبالحرفية والرمزية، وتلعب دورا هاما في التعريف بالشخصية وعمرها او مهنتها.
إن الحديث عن الملابس في المسرح يقودنا الى الحديث عن عصور طويلة من التطور ، لكن ما يهمنا هنا هو الوظيفة السيميائية التي تلعبها و الاضافة النوعية التي تقدمها للعرض المسرحي.
فالأزياء تعكس الانتماء الجغرافي ، والوضع الاجتماعي ،والحالة النفسية " وهذا ما يساعد الممثلين على الاندماج في ادوارهم وتقوية فاعلية الايهام لدى المتفرجين"
ومن خصوصية الزي الإشارة الى هوية الشخصية ثم مركزها ورتبتها بين بقية الشخصيات، كما من شأنه ان ينقلنا عبر الزمان، ويتجلى ذلك في الأعمال التاريخية، التي تتبدى تمفصلاتها من خلال نوع وطراز الأزياء ،لتضفي على العمل صفة المصداقية وتضيف اليه الجو المناسب" إن الملابس تحمل جانبا بصريا مهما يدخل في التركيبة التشكيلية للعمل ككل، مهما اختلفت نوعية العرض واتجاه المخرج"
إن اهمية الأزياء تكمن في " أنها العنصر البصري الأول في التعبير عن الشخصية في العمل الدرامي ،لا يضاهيها في ذلك عنصر آخر، فهي ليست من الزخرفة الاضافية للعمل ،بل هي جزء من الديكور بوصفها عناصر حية لها دلالتها في دعم اداء الممثل اثناء تقمصه"
وعموما فللملابس نظام علامتي قد نصفه بالخطير جدا مقارنة بالأشياء الأخرى. كما تلعب دورا في معرفة جنس الشخصية، "فشكل الزي يحدد الدور الوظيفي للشخصية داخل المجتمع (محامي، طبيب، فلاح...) وتحديد طبيعة المناخ وجغرافية المكان(حار، بارد، صحراوي...)،وملابس المرأة بطبيعة الحال تختلف عن ملابس الرجل" وهكذا فالملابس وطريقة لباسها ،اضافة الى شكلها و لونها ؛تلعب دورا مهما في طرح العديد من الدلالات، وتنعكس على مظهر الممثل ودوره وهيئته.
* المكياج علامة نفسية
قد يعتقد البعض ان المكياج من العناصر الزائدة في المسرح والتي يمكن ا لاستغناء عنها، لكن الحقيقة أنه ليس قناعا للوقاية من الأشعة المنبعثة من الكامرة او العاكسات الضوئية، إنما هو تقنية تساهم في إغناء العرض المسرحي وإثرائه وظيفيا وفرجويا، فالمكياج يعكس الشخصية وطبيعتها والقناع الدرامي التي تتخذه وسيلة لبلوغ هدفها ،بالإضافة الى أنه عامل يساعد الممثل على الاندماج مع عناصر العرض الأخرى، فهو يمنح" دور الملامح المميزة للشخصية والتي تعطيه صبغة واقعية أو غير واقعية ،فيحدد الممثل بخطوط ماكياجه واقعية الشخصية بما يتوافق مع عمرها وحالتها الصحية وموقفها الطبقي" إن توظيف المكياج لا يوضع اعتباطا، بل استجابة لمعطيات مختلفة، حسب الثقافة والفئة العمرية أو المستوى التعليمي، فالمرأة اليابانية تختلف في مكياجها عن المرأة الأوروبية او العربية، كما يلعب الماكياج والقناع دورا "فنتازيا" خاصة مع الشخصيات فوق انسانية، بالإضافة الى استخدامه في تجميل صورة الممثل او تقبيحها، حسب الحاجة
* المؤثرات الصوتية
توظف الموسيقى في المسرح إما على شكل مؤثرات اصطناعية او أصوات طبيعية محاكية، أو موسيقى تلحن وفق قواعد الموسيقى، أو اغاني هجينة بلغة مختلفة تصاحب بحركات ورقصات تعبيرية، كما يمكن ان تحضر كأصوات بشرية او آلية ،كما يمكن ان تكون من اداء الممثلين أو صدى منبعث من الآلة.
وتلعب المؤثرات الصوتية دورا هاما في التحديد الأيقوني للزمن؛ كدقات الساعة لتحديد الزمن، وصياح الديكة ،وتغريد الطيور لتحديد الوقت في الصباح ويمكن ان" تشير هذه المؤثرات الى المناخ والموسم بسقوط الامطار والرعد والبرق ، بالإضافة الى تحديد بيئة الفعل، من قبيل: صوت امواج البحر، صوت طيور البحر، صوت السفن، أصوات الحيوانات، صوت حفيف الاشجار، أصوات الضفاضع، أصوات ماكنات الحصاد..."
كما يمكن للموسيقى ان تدل على شخصية تصاحبها لحظة دخولها، أو تأكد مشاعرها العميقة، كما يمكن ان توحي بمرور الزمن "وتربط بين الفضاء المتخيل المعروض والفضاء المتخيل المتحدث عنه، وتخلق تلاحما بين صانعي الفرجة ومشاهديها"
* الجمهور وتعدد القراءات
يعتبر الجمهور من العناصر الأساسية في وجود العرض المسرحي، فهو متلقي العمل او المرسل اليه " إن المتفرج وهو جالس في صالة المسرح، يمكنه ان يتمتع ويتواصل مع الشخصيات أثناء المشاهدة ،يشعر بالانفعالات العميقة ،حيث يتقبل ويستوعب المسرحية(...) إن تواجد المتفرج داخل الصالة ،هو إ علان ضمني عن رغبته في التواصل، لذلك فالمتفرج ملزم بفك رموز العرض، وكل ما يحدث على الخشبة، يساهم في إثراء العملية التواصلية برمتها"
وهكذا يتلقى المتفرج العرض على شكل شفرات لغوية واخرى فنية ،ولكي يفهم التعبير اللفظي، يجب ان يكون على علم بلغة التخاطب ا و النسق اللغوي التي يتبناه العرض المسرحي، نفس الأمر بالنسبة للجانب الفني، فعلى المتلقي أن يكون مستعدا لفهم التعبير الفردي للممثل ،ولغته الخاصة او لغة اي فنان آخر، ولكن يوجد فرق مبدئي كبير بين فهم الدلالات اللغوية والفنية. فيما يتعلق بمجال اللغة وبالقدر الذي يتعلق الأمر بوظائفها باعتبارها اداة للتواصل، تتم عملية التلقي على النحو الآتي تقريبا: "عندما نسمع كلاما نفصل عنه كل ماهو فردي، ولا نثبت إلا ما هو واقعي اجتماعي في الجملة او الجمل التي سمعناها"