دعوة إلى الجنون ..
12-27-2024 03:46 مساءً
0
0
الفصل الأول: دعوة إلى الجنون
كان المساء هادئًا في مدريد، حيث أنارت أضواء المدينة السماء كلوحة مرصعة بالنجوم .. جلست “هي” بجانب النافذة في غرفتها الصغيرة، تتأمل الشوارع المزدحمة بينما تحيط بها أفكار متضاربة .. هاتفها الموضوع على الطاولة، ارتجف برسالة جديدة .. مدّت يدها لتتفقدها !!
هو : مساء الخير .. هل فكرتِ في الأمر ؟!
تأملت الكلمات للحظات .. تتصارع داخلها الرغبة بالجنون والخوف من المجهول .. كتبت ثم حذفت .. ترددت .. لكنها أخيرًا أرسلت ردها :
هي : أنت مجنون .. كيف لي أن آتي وحدي إلى غرناطة ؟
لم تتأخر الرسالة التالية :
هو : هذا الجنون ستعيشين حياتك كلها وأنتِ تذكرينه .. خذي صديقتك السمراء معك .. يومان فقط، وما أجمل الجنون إذا كان بين يومين في غرناطة .. أنتِ بالفعل في مدريد، والرحلة ساعة بالطائرة .. يومان من العمر، وستحملين ذكرى لن تُنسى !!
ابتسمت رغم ترددها .. دائمًا ما كان كلامه ساحرًا، كأنما يملك مفاتيح الكلمات التي تفتح أبواب أحلامها المغلقة !!
هي : دعني أفكر ؟
هو : وهل الجنون يحتاج إلى تفكير ؟
توقفت للحظة .. ثم كتبت :هي لا
هو : إذاً أحزمي أمتعتك مع صديقتك السمراء .. سأكون في انتظاركما بالمطار .
وضعت الهاتف جانبًا، ونظرت إلى صديقتها التي كانت تراقبها بصمت منذ البداية .
أخبريني، هل حقًا سنفعلها ؟
سألتها السمراء بابتسامة تحمل دهشة وفضول .أعتقد أننا على وشك القيام بجنون لا يُنسى .. ردّت بخفوت، وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها !!
في المطار:
كان هو واقفًا في قاعة الوصول، يرتدي قميصًا أبيض بسيطًا وجاكيتًا داكن اللون .. عيناه تبحثان بين الحشود حتى لمح وجهها .. توقفت للحظة عند الباب، تُحاول السيطرة على خفقان قلبها !!
الحمد لله على سلامة الوصول .. قال بابتسامة دافئة وهو يقترب .
كيف كانت رحلتكما ؟ أعتقد أنها هادئة ورائعة، أليس كذلك ؟
ابتسمت صديقتها السمراء وقالت : كانت ممتعة .. لكنني متأكدة أن الجنون يبدأ الآن .
أشار إلى سيارتَي أجرة تنتظران عند المخرج .. تاكسي لصاحبتك، وتاكسي لنا .. كل شيء مرتب ومنظم .
وأنتِ أيتها الصديقة العزيزة، أعاهد الله ثم نفسي أن أحافظ على أمانتك .. وأعيدها إليك كما هي .. جوهرة لا تُقدر بثمن !!
ضحكت السمراء وقالت : لن أسامحك إن حدث العكس !
إلى غرناطة:
ركبوا السيارة، وشغّل السائق أغنية “صوتك يناديني” بصوت محمد عبده، بينما كان “هو” يكرر المقطع المفضل له: “يا البسمة العذبة، عنك الصبر كذبة، فيك العمر موعود…”
كانت الرحلة أشبه بحلم يبدأ للتو .. جلست هي بجانبه، تنظر إلى الطريق الممتد أمامهم، وتشعر أن كل شيء في تلك اللحظة ينبض بالحياة ..
غرناطة .. نحن قادمون .. قالها بصوت خافت، لكنها شعرت أن كلماته دخلت إلى أعماقها !!
الفصل الثاني : همسات في غرناطة!!
كانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة مساءً، حين نزلت من غرفتها بفستان أبيض بسيط ينسدل على جسدها برقة، وشعرها ينساب كجدول من حرير .. في بهو الفندق، كان يقف منتظرًا، يتكئ على عمود رخامي .. عيناه تراقبان كل تفصيلة فيها وهي تقترب منه !!
شعر للحظة أن العالم توقف .. تلك الخطوات الواثقة، تلك الابتسامة الخجولة، كانت أشبه بفتنة لم يتخيل يومًا أن يراها أمامه .. رغم رغبته العارمة أن يحتضنها، إلا أن مذهبه المتشدد في العواطف كان يقيده، محافظًا على وعده لصديقتها السمراء ..
“مساء الخير،” .. حيّته بابتسامة مشرقة ..
ردّ التحية قائلاً : مساء الخير سيدتي .. وجمال هذا المساء لا يُقارن بجمالك !!
شعرت بالخجل، لكنها أخفته بسؤال عادي: “إلى أين سنذهب الآن ؟
قال مبتسمًا : اقتربي .. أريد أن أهمس لكِ بشيء، ولن ألمسك !!
نظرت إليه بحيرة .. لكنها اقتربت بحذر .. وضع شفتيه قرب أذنها، سحب نفسًا عميقًا كأنه يحاول حفظ عبقها في ذاكرته إلى الأبد، ثم همس بصوت دافئ : أغمضي عينيك !؟
فعلت دون تردد .. رغم قلبها الذي ينبض بسرعة !!
واصل الهمس، وهو يقترب أكثر قليلاً، لكن دون أن يلمسها: أرجوكِ … لا تضعي هذا العطر مرة أخرى .. ستدمريني !!
انفجرت ضاحكة، ضحكة خفيفة ملؤها الأنوثة .. وقالت: هذا بالضبط ما أريد فعله .. تدميرك يا سارق قلبي .
قال بعد لحظة صمت محملة بالكهرباء : هل تعلمين أن غرناطة مشهورة بمحلات الآيس كريم ؟! بين كل خمسة محلات ستجدين واحدًا يقدم الآيس كريم لا يُقاوم ..
تعالي، سأريك شيئًا مميزًا ..سرعان ما وجدا محلاً صغيرًا مزدحمًا .. وقف أمام البائعة، امرأة في منتصف العمر تبتسم بمرح ..
مرحبًا أيتها البائعة اللطيفة .. نريد كوبين من الآيس كريم: لي وللبرنسيسة الجميلة هذي، لكن بملعقة واحدة فقط ..
رفعت البائعة حاجبيها باستغراب : لماذا ملعقة واحدة؟ أنتما اثنان ..
اقترب منها قليلاً وقال بصوت مليء بالسرية :سأخبرك السبب ، لكن عليك أن تعاهديني ألا تفشي هذا السر أبدًا، حتى لا تصبح عادة يمارسها العشاق !!
ضحكت البائعة وقالت : أعاهدك !!
قال بخفة وروح مرحة : ستأكل برنسيستي الجميلة الآيس كريم من كوبها بهذه الملعقة .. وعندما تنتهي، آخذ منها الملعقة التي ستبقى عليها آثار حلاوة فمها وشفتيها. وبعدها يصبح للملعقة طعم لا يُنسى، مذاق سيبقى معي للأبد !!
انفجرت البائعة بالضحك وقالت : سيدي، هذه واحدة من أروع الوصفات الرومانسية التي سمعتها في حياتي .. أظنني سأجربها مع زوجي ..
ضحك وقال لها : لا مانع، لكن لا تستخدميها إلا مع حبيب واحد فقط !
أما هي .. فكانت تقف بجانبه، تغرق في الضحك بصوت عالٍ، ضحكة جعلت جميع من في المحل ينظرون إليهما .
خرج الاثنان من المحل ، يجلسان على مقعد صغير في الحديقة المجاورة. كان ينظر إليها وهي تأكل الآيس كريم، يراقب كل التفاصيل في حركاتها ..
قال :هل تعلمين ماذا تفعلين بي عندما تضحكين ؟
نظرت إليه بتحدٍ، وقالت : وماذا أفعل بك أيها الساحر ؟
رد وهو ينظر إلى عينيها مباشرة : كأنني أُقبّل جميع نساء الأرض دفعة واحدة !!
صمتت للحظة ، شعرت أن شيئًا في أعماقها قد تغير.. أغمضت عينيها، وأخذت نفسًا عميقًا، كما لو كانت تريد تخليد هذه اللحظة في ذاكرتها إلى الأبد !!
“غرناطة،” همست أظنها ستكون المكان الذي لا أنساه أبدًا .
الفصل الأخير : وداع الجنون !!
انتهت الأيام كغيمة عابرة، تحمل معها قطرات لا تُنسى من السعادة والحنين .. يومان قضتهما برفقته، منذ أن تفتح عينيها على ابتسامته حتى تغمضهما في نومها، الموت المشتهى حيث يغرق كل شيء في هدوء الليل !!
كانت أيامًا استثنائية ، لم تشبه أي شيء عاشته من قبل .. في كل لحظة معه، شعرت وكأنها تدخل عالمًا جديدًا من المشاعر .. كان له حضور يجمع بين الحنان الذي افتقدته لسنوات طويلة ، وبين جموح الحب الذي لم تعرفه يومًا .
هو والد، بحنانه الذي احتضن طفولتها الضائعة ! وهو زوج، بمشاعره الجياشة التي أذابت جليدًا تراكم داخلها من سنوات العلاقات الباردة !
وهو حبيب، بشوقه وكلماته التي كانت أشبه بقصائد عشق متجدد .. دون أن يتجاوز حدوده ، محافظًا على عفتها كأنها أميرة ملكية !!
في طريق العودة في الطائرة ، جلست بجانب صديقتها السمراء، تراقب الغيوم من نافذتها .. كانت تفكر في كل لحظة معه ، تتساءل كيف يمكن لأيام قصيرة كهذه أن تترك أثرًا عميقًا في الروح .
قطعت صديقتها السمراء حبل أفكارها بسؤال مباغت:
“سيدتي، ماذا قال لكِ ؟
يبدو أنكِ في عالم آخر منذ أن غادرنا الفندق .
ابتسمت الأميرة ونظرت إليها بعينين حالمتين :
قال لي كلامًا لم أسمعه من رجل قبله، .. ولا أعتقد أنني سأسمعه من رجل آخر بعده !!
نظرت إليها السمراء بخبث، وقالت وهي تقرب رأسها منها:
“أخبريني بصدق، هل لمسكِ ؟!
ضحكت الأميرة بخفة وأجابت :
نعم .. لقد لمسني، وقبلني، وحضنني، وفعل معي كل شيء… لكن بطهر الملائكة !!
ارتفع حاجبا السمراء بدهشة وهي تقول :
بطهر الملائكة ؟ كيف ذلك ؟ حيرتيني يا عمتي ؟!
أجابت الأميرة بابتسامة غامضة :
كلماته كانت قُبل .. همساته داعبت خصلات شعري، قصائده لامست كل جزء في كياني .. ونظراته كانت أحضانًا دافئة !!
زادت دهشة السمراء وقالت :
لا أفهم شيئًا .. وضحي أكثر ؟!
ابتسمت الأميرة بعمق وقالت :
حسنًا، سأختصر .. ما حدث بيننا أشبه بما قالته أحلام مستغانمي :
فما أجمل الذي حدث بيننا ..
ما أجمل الذي لم يحدث ..
ما أجمل الذي لن يحدث !
الختام : ضحكت السمراء بصوت عالٍ وقالت :
هذا هو الجنون بعينه يا سيدتي 'وردت الأميرة بابتسامة واثقة ، تقضم شفتها السفلى بخفة وتغمض عينها اليمنى ، ثم هزت رأسها وقالت :
نعم… كما قال لي :هذا الجنون ستعيشين حياتك كلها وأنتِ تذكرينه.
وسأذكره… حتى في سكرات الموت !!
وبينما حلّ الصمت بينهما ، كانت الغيوم خلف نافذة الطائرة تودع غرناطة ، لكن غرناطة بقيت محفورة في قلبها كذكرى لا تنطفئ أبدًا !!
•الكاتب - سيف الوايل
كان المساء هادئًا في مدريد، حيث أنارت أضواء المدينة السماء كلوحة مرصعة بالنجوم .. جلست “هي” بجانب النافذة في غرفتها الصغيرة، تتأمل الشوارع المزدحمة بينما تحيط بها أفكار متضاربة .. هاتفها الموضوع على الطاولة، ارتجف برسالة جديدة .. مدّت يدها لتتفقدها !!
هو : مساء الخير .. هل فكرتِ في الأمر ؟!
تأملت الكلمات للحظات .. تتصارع داخلها الرغبة بالجنون والخوف من المجهول .. كتبت ثم حذفت .. ترددت .. لكنها أخيرًا أرسلت ردها :
هي : أنت مجنون .. كيف لي أن آتي وحدي إلى غرناطة ؟
لم تتأخر الرسالة التالية :
هو : هذا الجنون ستعيشين حياتك كلها وأنتِ تذكرينه .. خذي صديقتك السمراء معك .. يومان فقط، وما أجمل الجنون إذا كان بين يومين في غرناطة .. أنتِ بالفعل في مدريد، والرحلة ساعة بالطائرة .. يومان من العمر، وستحملين ذكرى لن تُنسى !!
ابتسمت رغم ترددها .. دائمًا ما كان كلامه ساحرًا، كأنما يملك مفاتيح الكلمات التي تفتح أبواب أحلامها المغلقة !!
هي : دعني أفكر ؟
هو : وهل الجنون يحتاج إلى تفكير ؟
توقفت للحظة .. ثم كتبت :هي لا
هو : إذاً أحزمي أمتعتك مع صديقتك السمراء .. سأكون في انتظاركما بالمطار .
وضعت الهاتف جانبًا، ونظرت إلى صديقتها التي كانت تراقبها بصمت منذ البداية .
أخبريني، هل حقًا سنفعلها ؟
سألتها السمراء بابتسامة تحمل دهشة وفضول .أعتقد أننا على وشك القيام بجنون لا يُنسى .. ردّت بخفوت، وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها !!
في المطار:
كان هو واقفًا في قاعة الوصول، يرتدي قميصًا أبيض بسيطًا وجاكيتًا داكن اللون .. عيناه تبحثان بين الحشود حتى لمح وجهها .. توقفت للحظة عند الباب، تُحاول السيطرة على خفقان قلبها !!
الحمد لله على سلامة الوصول .. قال بابتسامة دافئة وهو يقترب .
كيف كانت رحلتكما ؟ أعتقد أنها هادئة ورائعة، أليس كذلك ؟
ابتسمت صديقتها السمراء وقالت : كانت ممتعة .. لكنني متأكدة أن الجنون يبدأ الآن .
أشار إلى سيارتَي أجرة تنتظران عند المخرج .. تاكسي لصاحبتك، وتاكسي لنا .. كل شيء مرتب ومنظم .
وأنتِ أيتها الصديقة العزيزة، أعاهد الله ثم نفسي أن أحافظ على أمانتك .. وأعيدها إليك كما هي .. جوهرة لا تُقدر بثمن !!
ضحكت السمراء وقالت : لن أسامحك إن حدث العكس !
إلى غرناطة:
ركبوا السيارة، وشغّل السائق أغنية “صوتك يناديني” بصوت محمد عبده، بينما كان “هو” يكرر المقطع المفضل له: “يا البسمة العذبة، عنك الصبر كذبة، فيك العمر موعود…”
كانت الرحلة أشبه بحلم يبدأ للتو .. جلست هي بجانبه، تنظر إلى الطريق الممتد أمامهم، وتشعر أن كل شيء في تلك اللحظة ينبض بالحياة ..
غرناطة .. نحن قادمون .. قالها بصوت خافت، لكنها شعرت أن كلماته دخلت إلى أعماقها !!
الفصل الثاني : همسات في غرناطة!!
كانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة مساءً، حين نزلت من غرفتها بفستان أبيض بسيط ينسدل على جسدها برقة، وشعرها ينساب كجدول من حرير .. في بهو الفندق، كان يقف منتظرًا، يتكئ على عمود رخامي .. عيناه تراقبان كل تفصيلة فيها وهي تقترب منه !!
شعر للحظة أن العالم توقف .. تلك الخطوات الواثقة، تلك الابتسامة الخجولة، كانت أشبه بفتنة لم يتخيل يومًا أن يراها أمامه .. رغم رغبته العارمة أن يحتضنها، إلا أن مذهبه المتشدد في العواطف كان يقيده، محافظًا على وعده لصديقتها السمراء ..
“مساء الخير،” .. حيّته بابتسامة مشرقة ..
ردّ التحية قائلاً : مساء الخير سيدتي .. وجمال هذا المساء لا يُقارن بجمالك !!
شعرت بالخجل، لكنها أخفته بسؤال عادي: “إلى أين سنذهب الآن ؟
قال مبتسمًا : اقتربي .. أريد أن أهمس لكِ بشيء، ولن ألمسك !!
نظرت إليه بحيرة .. لكنها اقتربت بحذر .. وضع شفتيه قرب أذنها، سحب نفسًا عميقًا كأنه يحاول حفظ عبقها في ذاكرته إلى الأبد، ثم همس بصوت دافئ : أغمضي عينيك !؟
فعلت دون تردد .. رغم قلبها الذي ينبض بسرعة !!
واصل الهمس، وهو يقترب أكثر قليلاً، لكن دون أن يلمسها: أرجوكِ … لا تضعي هذا العطر مرة أخرى .. ستدمريني !!
انفجرت ضاحكة، ضحكة خفيفة ملؤها الأنوثة .. وقالت: هذا بالضبط ما أريد فعله .. تدميرك يا سارق قلبي .
قال بعد لحظة صمت محملة بالكهرباء : هل تعلمين أن غرناطة مشهورة بمحلات الآيس كريم ؟! بين كل خمسة محلات ستجدين واحدًا يقدم الآيس كريم لا يُقاوم ..
تعالي، سأريك شيئًا مميزًا ..سرعان ما وجدا محلاً صغيرًا مزدحمًا .. وقف أمام البائعة، امرأة في منتصف العمر تبتسم بمرح ..
مرحبًا أيتها البائعة اللطيفة .. نريد كوبين من الآيس كريم: لي وللبرنسيسة الجميلة هذي، لكن بملعقة واحدة فقط ..
رفعت البائعة حاجبيها باستغراب : لماذا ملعقة واحدة؟ أنتما اثنان ..
اقترب منها قليلاً وقال بصوت مليء بالسرية :سأخبرك السبب ، لكن عليك أن تعاهديني ألا تفشي هذا السر أبدًا، حتى لا تصبح عادة يمارسها العشاق !!
ضحكت البائعة وقالت : أعاهدك !!
قال بخفة وروح مرحة : ستأكل برنسيستي الجميلة الآيس كريم من كوبها بهذه الملعقة .. وعندما تنتهي، آخذ منها الملعقة التي ستبقى عليها آثار حلاوة فمها وشفتيها. وبعدها يصبح للملعقة طعم لا يُنسى، مذاق سيبقى معي للأبد !!
انفجرت البائعة بالضحك وقالت : سيدي، هذه واحدة من أروع الوصفات الرومانسية التي سمعتها في حياتي .. أظنني سأجربها مع زوجي ..
ضحك وقال لها : لا مانع، لكن لا تستخدميها إلا مع حبيب واحد فقط !
أما هي .. فكانت تقف بجانبه، تغرق في الضحك بصوت عالٍ، ضحكة جعلت جميع من في المحل ينظرون إليهما .
خرج الاثنان من المحل ، يجلسان على مقعد صغير في الحديقة المجاورة. كان ينظر إليها وهي تأكل الآيس كريم، يراقب كل التفاصيل في حركاتها ..
قال :هل تعلمين ماذا تفعلين بي عندما تضحكين ؟
نظرت إليه بتحدٍ، وقالت : وماذا أفعل بك أيها الساحر ؟
رد وهو ينظر إلى عينيها مباشرة : كأنني أُقبّل جميع نساء الأرض دفعة واحدة !!
صمتت للحظة ، شعرت أن شيئًا في أعماقها قد تغير.. أغمضت عينيها، وأخذت نفسًا عميقًا، كما لو كانت تريد تخليد هذه اللحظة في ذاكرتها إلى الأبد !!
“غرناطة،” همست أظنها ستكون المكان الذي لا أنساه أبدًا .
الفصل الأخير : وداع الجنون !!
انتهت الأيام كغيمة عابرة، تحمل معها قطرات لا تُنسى من السعادة والحنين .. يومان قضتهما برفقته، منذ أن تفتح عينيها على ابتسامته حتى تغمضهما في نومها، الموت المشتهى حيث يغرق كل شيء في هدوء الليل !!
كانت أيامًا استثنائية ، لم تشبه أي شيء عاشته من قبل .. في كل لحظة معه، شعرت وكأنها تدخل عالمًا جديدًا من المشاعر .. كان له حضور يجمع بين الحنان الذي افتقدته لسنوات طويلة ، وبين جموح الحب الذي لم تعرفه يومًا .
هو والد، بحنانه الذي احتضن طفولتها الضائعة ! وهو زوج، بمشاعره الجياشة التي أذابت جليدًا تراكم داخلها من سنوات العلاقات الباردة !
وهو حبيب، بشوقه وكلماته التي كانت أشبه بقصائد عشق متجدد .. دون أن يتجاوز حدوده ، محافظًا على عفتها كأنها أميرة ملكية !!
في طريق العودة في الطائرة ، جلست بجانب صديقتها السمراء، تراقب الغيوم من نافذتها .. كانت تفكر في كل لحظة معه ، تتساءل كيف يمكن لأيام قصيرة كهذه أن تترك أثرًا عميقًا في الروح .
قطعت صديقتها السمراء حبل أفكارها بسؤال مباغت:
“سيدتي، ماذا قال لكِ ؟
يبدو أنكِ في عالم آخر منذ أن غادرنا الفندق .
ابتسمت الأميرة ونظرت إليها بعينين حالمتين :
قال لي كلامًا لم أسمعه من رجل قبله، .. ولا أعتقد أنني سأسمعه من رجل آخر بعده !!
نظرت إليها السمراء بخبث، وقالت وهي تقرب رأسها منها:
“أخبريني بصدق، هل لمسكِ ؟!
ضحكت الأميرة بخفة وأجابت :
نعم .. لقد لمسني، وقبلني، وحضنني، وفعل معي كل شيء… لكن بطهر الملائكة !!
ارتفع حاجبا السمراء بدهشة وهي تقول :
بطهر الملائكة ؟ كيف ذلك ؟ حيرتيني يا عمتي ؟!
أجابت الأميرة بابتسامة غامضة :
كلماته كانت قُبل .. همساته داعبت خصلات شعري، قصائده لامست كل جزء في كياني .. ونظراته كانت أحضانًا دافئة !!
زادت دهشة السمراء وقالت :
لا أفهم شيئًا .. وضحي أكثر ؟!
ابتسمت الأميرة بعمق وقالت :
حسنًا، سأختصر .. ما حدث بيننا أشبه بما قالته أحلام مستغانمي :
فما أجمل الذي حدث بيننا ..
ما أجمل الذي لم يحدث ..
ما أجمل الذي لن يحدث !
الختام : ضحكت السمراء بصوت عالٍ وقالت :
هذا هو الجنون بعينه يا سيدتي 'وردت الأميرة بابتسامة واثقة ، تقضم شفتها السفلى بخفة وتغمض عينها اليمنى ، ثم هزت رأسها وقالت :
نعم… كما قال لي :هذا الجنون ستعيشين حياتك كلها وأنتِ تذكرينه.
وسأذكره… حتى في سكرات الموت !!
وبينما حلّ الصمت بينهما ، كانت الغيوم خلف نافذة الطائرة تودع غرناطة ، لكن غرناطة بقيت محفورة في قلبها كذكرى لا تنطفئ أبدًا !!
•الكاتب - سيف الوايل