الفروقات بين الرّجال والنّساء داخل الجمجمة يُعد مثالًا للمُمارسات البحثيَّة الخاطِئة
09-15-2024 09:27 صباحاً
0
0
تصِف الباحثة في علم الأعصاب الإدراكي جينا ريبون (Gina Rippon)، في كتابِها الدماغ المُجنس (The Gendered Brain)، إحدى دراسات علوم الدماغ العديدة بأنها بشرَّت بالتوصُّل -أخيرًا- إلى تفسير الفروقات بين الرِّجال والنِّساء. حيثُ حللت الدراسة صور الرَّنين المغناطيسي (MRI) لواحد وعشرين رجلًا وسبعٍ وعشرين امرأةً بواسطة باحثين من جامعة كاليفورنيا، وذلك عبر جولة دعائية -وإن كانت ضئيلة جدًا مقارنةً بمعايير هذا العصر- لهذه النتائج؛ بدايةً من الجرائد والمُدونات، ثٌم التلفاز والكُتب، ووصولًا إلى مؤتمرات المُعلمّين والشركات الرائِدة.
في 2010، وفي إحدى حلقات البرنامج الصباحي (the Early Show) الذي يُعرض على إحدى قنوات التلفزيون الأمريكية، استُقرئت هذه الدراسة على درجة كبيرة من السوء؛ فقد دُهِش المذيع هاري سميث (Harry Smith) عندما صرّحت المُراسلِة الطبيّة جينفيرأشتون (Jennifer Ashton) أن أدمغة الرجال تحتوى على مادة رمادية تضاعف تلك الموجودة عند النساء بست مراتٍ ونصف المرَّة، بينما في المقابل تحتوي أدمغة النِّساء على مادة بيضاء عشر مراتٍ ضِعف تلك الموجودة في أدمغة الرِّجال!
تلى ذلك التَّصريح بعضُ النِّكات حول قدرات الرِّجال في علوم الرِّياضيات، وقدرة النساء الاستثنائية على القيام بمهامَّ متعدّدة، بغضِّ النّظر عن كون هذه المعطيات تتطلَّب أن تكون أدمغة النِّساء أكبر بـ50%،
في حين أن فريق جامعة كاليفورنيا لم يقارن حتى أحجام الأدمغة، ولكنهم بحثوا في العِلاقة بين معدّل الذّكاء وكميّة المادة الرمادية أو البيضاء. التّحيُّز الجِنسي في عِلم الأعصاب إن التّاريخَ المُمتد لأبحاثِ الاختلافات بين الجنسين حافلٌ بالأخطاء الرياضيَة، والتَّحريف، والتَّحيُّز في النَّشر، وضعف قوّة الاحصائيات، وضآلة عدد عناصرِ المُقارنة في الأبحاث، وغيرِها الكَثير.
في كتابِها، تكشِف جينا ريبون -وهي من روّاد المُناهضات للتحيز الجنسي في علم الأعصاب- عن العديدِ من الأمثلة لذلك؛ فاستخدمت استعارةَ لعبةِ الضرب بالمطرقة (a whack-a-mole) كنايةً عن الدّائِرة الأبديّة، إذ يُروَّج لدِراسات الدماغ المُوجَّهة لاكتشاف الاختلاف بين الرجال والنساء تحت شعارِ "إنها الحقيقة أخيرًا!" تهكمًا من الصوابيّة السّياسيّة، حتى يكشف باحثون آخرون استنباطًا مُبالَغًا فيه، أو خطأ مُهلكًا في التَّصميم، حينها فقط -ومع بعض الحظ- تتداعى تلك المزاعِمُ الخاطِئة، حتى تظهر منشورات أخرى تخلقُ ردَّ فعلِ "أها! إنها الحقيقة" مُجددًا، وبهذا تستمر الدائرةُ الأبديّة .
تصف د. ريبون عمليةَ مطاردة الاختلافات الدماغية قائلةً: «بأنها كانت سعيًا حثيثًا عبر العصور باستخدام كل الوسائل والتقنيات العلميَّة التي يُمكن استخدامُها». وتفحَّلت هذه المطاردة في العقود الثلاثة الأخيرة نتيجة لظهورِ تقنيات التصويرِ بالرَّنين المغناطيسي.
ومع ذلك، وكما كشف كتابُ الدماغ المُجنس فلم نصل بعد لنتائجَ حاسمةٍ فيما يتعلق بالاختلافات بين أدمغة الرجالِ والنساء. فخلافًا للخمس أونصات المنقوصة من دماغِ الأنثى، والمُذاعة منذ القرن التاسع عشر،
ففي العصر الحديث لم يتستطِع علماء الأعصاب التَّوصُّل لأي اختلافات حاسمَة يُمكن على أساسِها تصنيف أدمغة الرَجال والنَساء. ففي أدمغة النِّساء لا تتوزَّع المناطِق المسؤولة عن معالجة اللغة في نطاقٍ أوسع في فَصَّي الدماغ مقارنةً بتلك في أدمغة الرجال كما كانت تدَّعي إحدى الدِّراسات في المنشورة في مجلة نيتشر(Nature) سنة 1995، وهو ما دَحضَتُه دراسةٌ تحليليَّة شموليَّة (meta-analysis) نُشرت عام 2008 تُقر أن حجمَ الدِّماغ يزدادُ بالتَّناسب مع حجم الجسمِ، وبعضُ الخصائص؛ كنسبةِ المادة الرماديَّة إلى المادة البيضاء أو المقطع المُستعرض من عصب الجسم الثَّفني (corpus callosum)، وتتناسب قليلًا مع حجم الدِّماغ. ولكن هذه الاختلافات في الدَّرجة وليس النّوع، فكما لاحظت د. ريبون لا تظهرُ هذه الاختلافات عند المقارنةِ بين الأدمغة صغيرة الحجم لكلٍّ من النساء والرجال، كما لا ترتبطُ بتفاوتِ الهوايات أو صافي الأجور.
وتَهدف د.ريبون إلى نشرِ رسالةٍ مَفادُها: "إن كان العالمُ مُتحيزًا جنسيًّا، فسيخلق عقلًا مُتحيزًا بدوره" .
نُسلِّط الضوء على العنوانِ الفرعِيّ للكتاب وهو (علمُ الأعصابِ الحديث الذي يَنسِف أُسطورَة عقل الأنثى).
تُفضحُ في هذا الجُزء أسطورةُ اختلافات الدماغ، ويُثار التساؤل حول لما تُحصر على الأنثى؟ وقد تظن، بدايةً، أنها طعنة موجّهة لكتابِ (عقل الأنثى) للوان بريزيندين (Louann Brizendine - The Female Brain). أو رُبما للتَّشديد على كيف أنّه تمَّ حصرُ دماغ الأنثى باعتبارِه مُتغيرًا غريبًا عن الدماغ الطبيعي، كعندما نقول (طبيبة جراحة أنثى) أو (عالمة فيزياء أنثى).
ولكن بغضِّ النَّظر عن العنوان الفرعي، فقد حقّق الكتابُ هدفَه في الكشفِ عن مفهومِ الدِّماغ المُجنس. فليس الدماغ مُجنساً أكثر من الكِلى والقلب والكبد.
وتختِم د. ريبون بأنه حتى الآن، فما يزال مُعظمنا مُقيَّدًا بالقيود البيولوجية الإجتماعية التي تُحدد الدماغ أحادي الجنس بمسارٍ مُحدَّد ثقافيًا على أساسٍ الجنس.
ناسا بالعربي
https://nasainarabic.net/r/s/11693
في 2010، وفي إحدى حلقات البرنامج الصباحي (the Early Show) الذي يُعرض على إحدى قنوات التلفزيون الأمريكية، استُقرئت هذه الدراسة على درجة كبيرة من السوء؛ فقد دُهِش المذيع هاري سميث (Harry Smith) عندما صرّحت المُراسلِة الطبيّة جينفيرأشتون (Jennifer Ashton) أن أدمغة الرجال تحتوى على مادة رمادية تضاعف تلك الموجودة عند النساء بست مراتٍ ونصف المرَّة، بينما في المقابل تحتوي أدمغة النِّساء على مادة بيضاء عشر مراتٍ ضِعف تلك الموجودة في أدمغة الرِّجال!
تلى ذلك التَّصريح بعضُ النِّكات حول قدرات الرِّجال في علوم الرِّياضيات، وقدرة النساء الاستثنائية على القيام بمهامَّ متعدّدة، بغضِّ النّظر عن كون هذه المعطيات تتطلَّب أن تكون أدمغة النِّساء أكبر بـ50%،
في حين أن فريق جامعة كاليفورنيا لم يقارن حتى أحجام الأدمغة، ولكنهم بحثوا في العِلاقة بين معدّل الذّكاء وكميّة المادة الرمادية أو البيضاء. التّحيُّز الجِنسي في عِلم الأعصاب إن التّاريخَ المُمتد لأبحاثِ الاختلافات بين الجنسين حافلٌ بالأخطاء الرياضيَة، والتَّحريف، والتَّحيُّز في النَّشر، وضعف قوّة الاحصائيات، وضآلة عدد عناصرِ المُقارنة في الأبحاث، وغيرِها الكَثير.
في كتابِها، تكشِف جينا ريبون -وهي من روّاد المُناهضات للتحيز الجنسي في علم الأعصاب- عن العديدِ من الأمثلة لذلك؛ فاستخدمت استعارةَ لعبةِ الضرب بالمطرقة (a whack-a-mole) كنايةً عن الدّائِرة الأبديّة، إذ يُروَّج لدِراسات الدماغ المُوجَّهة لاكتشاف الاختلاف بين الرجال والنساء تحت شعارِ "إنها الحقيقة أخيرًا!" تهكمًا من الصوابيّة السّياسيّة، حتى يكشف باحثون آخرون استنباطًا مُبالَغًا فيه، أو خطأ مُهلكًا في التَّصميم، حينها فقط -ومع بعض الحظ- تتداعى تلك المزاعِمُ الخاطِئة، حتى تظهر منشورات أخرى تخلقُ ردَّ فعلِ "أها! إنها الحقيقة" مُجددًا، وبهذا تستمر الدائرةُ الأبديّة .
تصف د. ريبون عمليةَ مطاردة الاختلافات الدماغية قائلةً: «بأنها كانت سعيًا حثيثًا عبر العصور باستخدام كل الوسائل والتقنيات العلميَّة التي يُمكن استخدامُها». وتفحَّلت هذه المطاردة في العقود الثلاثة الأخيرة نتيجة لظهورِ تقنيات التصويرِ بالرَّنين المغناطيسي.
ومع ذلك، وكما كشف كتابُ الدماغ المُجنس فلم نصل بعد لنتائجَ حاسمةٍ فيما يتعلق بالاختلافات بين أدمغة الرجالِ والنساء. فخلافًا للخمس أونصات المنقوصة من دماغِ الأنثى، والمُذاعة منذ القرن التاسع عشر،
ففي العصر الحديث لم يتستطِع علماء الأعصاب التَّوصُّل لأي اختلافات حاسمَة يُمكن على أساسِها تصنيف أدمغة الرَجال والنَساء. ففي أدمغة النِّساء لا تتوزَّع المناطِق المسؤولة عن معالجة اللغة في نطاقٍ أوسع في فَصَّي الدماغ مقارنةً بتلك في أدمغة الرجال كما كانت تدَّعي إحدى الدِّراسات في المنشورة في مجلة نيتشر(Nature) سنة 1995، وهو ما دَحضَتُه دراسةٌ تحليليَّة شموليَّة (meta-analysis) نُشرت عام 2008 تُقر أن حجمَ الدِّماغ يزدادُ بالتَّناسب مع حجم الجسمِ، وبعضُ الخصائص؛ كنسبةِ المادة الرماديَّة إلى المادة البيضاء أو المقطع المُستعرض من عصب الجسم الثَّفني (corpus callosum)، وتتناسب قليلًا مع حجم الدِّماغ. ولكن هذه الاختلافات في الدَّرجة وليس النّوع، فكما لاحظت د. ريبون لا تظهرُ هذه الاختلافات عند المقارنةِ بين الأدمغة صغيرة الحجم لكلٍّ من النساء والرجال، كما لا ترتبطُ بتفاوتِ الهوايات أو صافي الأجور.
وتَهدف د.ريبون إلى نشرِ رسالةٍ مَفادُها: "إن كان العالمُ مُتحيزًا جنسيًّا، فسيخلق عقلًا مُتحيزًا بدوره" .
نُسلِّط الضوء على العنوانِ الفرعِيّ للكتاب وهو (علمُ الأعصابِ الحديث الذي يَنسِف أُسطورَة عقل الأنثى).
تُفضحُ في هذا الجُزء أسطورةُ اختلافات الدماغ، ويُثار التساؤل حول لما تُحصر على الأنثى؟ وقد تظن، بدايةً، أنها طعنة موجّهة لكتابِ (عقل الأنثى) للوان بريزيندين (Louann Brizendine - The Female Brain). أو رُبما للتَّشديد على كيف أنّه تمَّ حصرُ دماغ الأنثى باعتبارِه مُتغيرًا غريبًا عن الدماغ الطبيعي، كعندما نقول (طبيبة جراحة أنثى) أو (عالمة فيزياء أنثى).
ولكن بغضِّ النَّظر عن العنوان الفرعي، فقد حقّق الكتابُ هدفَه في الكشفِ عن مفهومِ الدِّماغ المُجنس. فليس الدماغ مُجنساً أكثر من الكِلى والقلب والكبد.
وتختِم د. ريبون بأنه حتى الآن، فما يزال مُعظمنا مُقيَّدًا بالقيود البيولوجية الإجتماعية التي تُحدد الدماغ أحادي الجنس بمسارٍ مُحدَّد ثقافيًا على أساسٍ الجنس.
ناسا بالعربي
https://nasainarabic.net/r/s/11693