• ×
الجمعة 18 أبريل 2025 | 04-17-2025

ماهي اللغة "الأُكسِتانية" .. ومادور الشاعر الفرنسي ميسترال في الحفظ عليها ؟

ماهي اللغة "الأُكسِتانية" .. ومادور الشاعر الفرنسي ميسترال في الحفظ عليها ؟
0
0
الآن - اللغة الأُكسِتانية ، تُقرأ «أُتسِتا» أو اللغة القُسطانية ، لغة لاتينية يُتحدّث بها في الثلث الجنوبي لفرنسا، والوديان الأُكستانية في إيطاليا، ووادي أران في إسبانيا، وموناكو.

أوكسيتانيا أو قُسطانية أو أُكْسِتنية أو أُكستانِيَة أو أكوتين ، منطقة تاريخية في جنوب أوروبا تشمل المناطق التي انتشرت فيها اللغة القسطانية كلغة أساسية، والتي تستخدم إلى الآن كلغة ثانية. هذه المنطقة تشمل النصف الجنوبي لفرنسا وموناكو ومناطق بسيطة من إيطاليا وإسبانيا.

شكلت قسطانية منطقة لغوية وثقافية مستقلة في العصور الوسطى، لكنها لم تحظ باستقلالها السياسي ففي عهد الرومان كانت من المقاطعات السبعة ، ثم خضعت لحكم مملكة القوط الغربيين ، قبل أن تخضع لحكم الفرنجة.

في الوقت الحالي، يعرف حوالي نصف المليون من أصل 16 مليون من السكان اللغة القسطانية، إلا أن اللغات المستخدمة هي الفرنسية والإيطالية والقطلونية والإسبانية ، ومنذ عام 2006، أصبحت القسطلونية لغة رسمية في منطقة كتالونيا.

تشمل مساحة انتشار اللغة الأكستانية 33 إقليما في الجنوب الفرنسي، 14 وادياً أُكستانيّاً في إيطاليا، وادي أران في إسبانيا، وموناكو ، ومن الللهجات الأكستانية : أوفيرني، غاسقون، لانغدوك و، ليموزين، بروفانس وجبال الألب.

ظهرت كلمات في المُعجم القسطاني، والفرنسي إلى حدٍ ما، من شاكلة drogoman أي «تُرجُمان»، وما زال يُقالُ حتَّى اليوم على سبيل المِثال: par le truchement de أي «من خِلال كذا»، وكذلك charabia المُشتقة من «شَرَح»، كما سُميت بعض المُدن والمناطق بِأسماء عربيَّة من شاكلة بلدة راماتويال Ramatuelle المُشتق اسمها من «رحمة الله»، و Saint-Pierre de l'Almanarre المُشتق اسمُها من «المنارة» ، فقد تركت الغزوات والفُتُوحات الإسلاميَّة أثرًا كبيرًا في فرنسا بقي ماثلًا في الذهن طيلة قُرُون، ويذكر المُستشرق الفرنسي جوزيف توسان رينو هذا بِقوله:

إنَّ ذكرى الغزوات النورمانيَّة والمجريَّة لا تُوجد إلَّا في الكُتُب ، ولكن ما السِّر في أنَّ ذكرى العرب ما زالت ماثلةً في جميع الأذهان؟ ..
لقد ظهر العربُ في فرنسا قبل النورمان والمجر، واستطالت إقامتهم بعد الغزوات النورمانيَّة والمجريَّة، وإنَّ غزوات العرب الأُولى ليطبعها طابعٌ من العظمة، حتَّى أننا لا نستطيع أن نتلو أخبارها دون تأثُّر ، وكل العوامل قد لا تكفي لِتعليل المكانة العظيمة التي يتبوأُها الاسمُ العربيُّ في أوروپَّا وفي أذهان المُجتمع الأوروپيّ ، أمَّا السبب الحقيقي لِهذه الظاهرة المُدهشة، فهو الأثر الذي بثَّتهُ قصص الفُروسيَّة في العُصور الوُسطى، وهو أثر لا يزال
ملموساً إلى يومنا هذا.

وتُعد اللغة الأوكسيتانية، التي تُعرف أيضًا بلغة بروفانس، واحدة من اللغات الرومانسية القديمة التي كانت تُستخدم في جنوب فرنسا، وهي لغة تحمل في طياتها تاريخًا طويلًا وثقافة غنية. في زمن كان فيه الاهتمام بالأوكسيتانية ضئيلاً .

حمل فريدريك ميسترال، الشاعر الفرنسي الذي ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الأدب العالمي ، على عاتقه مهمة إحياء وتعزيز هذه اللغة من خلال أعماله الأدبية ، وأسس في عام 1854 جمعية أدبية تُعرف بـ"فيليبريج" بمشاركة مجموعة من الشعراء والنقاد، وكان الهدف الأساسي لها هو تعزيز اللغة الأوكسيتانية ونشرها.
ومن أبرز إنجازات الجمعية كان إنشاء قاموس شامل ودقيق للغة الأوكسيتانية، والذي يُعد من أهم المراجع لهذه اللغة حتى اليوم.

قصيدة الحب التي عبرت الحدود ، من أبرز أعمال ميسترال الأدبية ، وهب قصيدة ملحمية "Mirèio" التي كتبها عام 1859 ، وتعد واحدة من أجمل الأعمال الأدبية المكتوبة بالأوكسيتانية، وتهدف إلى إحياء الثقافة والتراث الأوكسيتاني من خلال سرد قصة حب مأساوية بين ميرييو، ابنة مزارع ثرية، وفنسنت، الشاب الفقير. ، لاقت القصيدة استحسانًا كبيرًا وترجمت إلى 15 لغة أوروبية، مما ساهم في تقديم اللغة الأوكسيتانية لجمهور أوسع.

وفي عام 1904، نال فريدريك ميسترال جائزة نوبل في الأدب تقديرًا لجهوده الكبيرة في إحياء اللغة الأوكسيتانية وتعزيزها من خلال أعماله الأدبية ، كان هذا التقدير الدولي بمثابة اعتراف بإسهاماته في الأدب العالمي وتثمينًا للغة الأوكسيتانية التي عكف على تجديدها.
بعد فوزه بالجائزة، قرر ميسترال تخصيص نصف مبلغ الجائزة لإنشاء متحف آرلاتين، الذي يهدف إلى الحفاظ على التراث الثقافي لمنطقة بروفانس. المتحف لا يقتصر على تقديم عرض للتراث الثقافي فحسب، بل يضم أيضًا وسام نوبل الذي حصل عليه، مما يجعله نقطة جذب هامة للزوار والباحثين في التراث الأوكسيتاني.
فريدريك ميسترال لم يكن فقط شاعراً مبدعاً بل ناشطًا ثقافيًا قام بدور بارز في الحفاظ على التراث اللغوي والثقافي لمنطقة بروفانس ،من خلال جهوده الدؤوبة، حيث أثبت أن اللغات المحلية يمكن أن تلعب دورًا هامًا في الأدب العالمي، وأن الإبداع والالتزام يمكن أن ينقلا تراثًا ثقافيًا إلى آفاق جديدة.
ويظل إرث ميسترال مصدر إلهام للعديد من الأدباء واللغويين، وذكراه تستمر في تشجيع الجهود الرامية إلى الحفاظ على اللغات والثقافات المحلية هناك ، مما يجعله أحد أعظم الشعراء الذين شهدهم تاريخ الأدب الفرنسي والعالمي.