• ×
الجمعة 22 نوفمبر 2024 | 11-21-2024

ما السر وراء اختيار غرينيتش مركزًا للوقت العالمي .. الخط الصفر

ما السر وراء اختيار غرينيتش مركزًا للوقت العالمي .. الخط الصفر
0
0
متابعة ‎اقترح علماء الفلك في القرن الثامن عشر تحديد خط مرجعي يمر عبر مرصد غرينيتش الملكي في لندن، ليصبح هذا الخط هو الصفر الذي تقاس منه جميع خطوط الطول حول العالم.
‎ومنذ ذلك الحين، أصبحت غرينيتش رمزًا عالميًا للوقت، ويشكل خط الزوال الذي يمر بها أساس التوقيت العالمي المنسق (UTC) الذي نستخدمه اليوم في حياتنا اليومية.
‎وتُعرف اتفاقية تحديد الوقت العالمية عمومًا باسم التوقيت العالمي المنسق (UTC)، ولكن لا يزال يُشار إليها باسم خط غرينيتش في معظم محادثاتنا.
‎ولكن كيف أصبحت غرينيتش، وهي حي في جنوب شرق لندن، نقطة مرجعية لتحديد الوقت في جميع أنحاء العالم؟*

‎عام 1674، شكل الملك تشارلز الثاني في إنكلترا لجنة ملكية لدراسة إمكانية إنشاء مقياس أكثر دقة لطول الدائرة من أجل تحسين ملاحة السفن.
‎فقد أدت المسافات المحيطية الكبيرة التي كانت تقطعها سفن التجارة إلى تضخيم أي أخطاء، مما تسبب في حوادث غرق السفن والكوارث البحرية الأخرى؛ وكان من شأن تحسين مرجع خط الطول أن يتيح التخطيط للمسار بشكل أفضل.*
‎وخلصت اللجنة إلى أن تحديد مواقع النجوم بدقة (كنقاط مرجعية) سيكون جزءًا أساسيًا من الحساب، فأوصت بالتالي بإنشاء مرصد فلكي.
‎واستجابة لذلك، عين تشارلز الثاني الفلكي جون فلامستيد أول عالم فلك ملكي لبريطانيا عام 1675، وفي الوقت نفسه اختار المهندس المعماري وعالم الفلك كريستوفر رين من اللجنة الملكية أنقاض قلعة غرينيتش كموقع للمرصد.*
‎وكان ذلك يرجع إلى موقعه على أرض مرتفعة في حديقة ملكية، بالإضافة إلى وجود أساس القلعة الذي يمكن إعادة توظيفه للمرصد، واكتمل بناء المرصد بعد حوالي عام، وبدأ فلامستيد في تسجيل أولى ملاحظاته عام 1676.

‎ورسم فلامستيد خرائط للنجوم من مرصد غرينيتش حتى وفاته عام 1719، وتم نشر كتالوج لما يقرب من 3000 نجم رصده بعد وفاته، أولاً كـ"تاريخ السماء البريطاني" المكون من ثلاثة مجلدات، ثم "أطلس السماء"، وهو أكبر وأدق أطلس نجمي في ذلك الوقت.*
‎وتم توسيع عمل فلامستيد من قبل عالم الفلك الملكي نيفيل ماسكيلين، الذي نشر "الألماناك البحري والتقويم الفلكي" عام 1766.*
‎واحتوى هذان العملان على البيانات الفلكية اللازمة لحساب خط الطول، بمساعدة أدوات الملاحة السماوية مثل السدس

‎وباستخدام السدس، الذي يقيس المسافة الزاوية بين الأجسام (مثل الأفق والشمس)، يمكن للعلماء ملاحظة أعلى نقطة للشمس بدقة أي الظهر، ثم تم تطوير الكرونومتر وهو ساعة ميكانيكية، لإظهار الوقت بدقة في مرصد غرينيتش في تلك اللحظة بالضبط.*
‎والفرق بين الوقت في غرينتش على الكرونومتر والظهر المحلي تم ترجمته إلى خط طول: ساعة واحدة من الفرق في الوقت تساوي 15 درجة من خط الطول (وذلك لأن الأرض تدور 360 درجة في 24 ساعة، أو 15 درجة في الساعة).

‎وتم تحديد خطوط الطول على أنها شرقية أو غربية اعتمادًا على ما إذا كان الوقت في غرينيتش سابقًا أم لاحقًا من الوقت المحلي على التوالي، ومن هنا كان هذا هو ذكر لغرينيتش كمرجع لتحديد الوقت، على الأقل للملاحين البريطانيين.
‎والفرق في الوقت يعني الفرق بين الوقت الذي يشير إليه الساعة (الكرونومتر) في غرينيتش، والوقت الذي يشير إليه الشمس في المكان الذي يوجد فيه البحار (الظهر المحلي).

‎وعلى عكس خط العرض الذي يعتبر خط الاستواء نقطة المنتصف الطبيعية للأرض، فإن خطوط الطول الرأسية من القطب إلى القطب لا تمتلك مثل هذه النقطة المرجعية الطبيعية.*
‎ونتيجة لذلك، فإن موقع خط الطول صفر درجة - المعروف باسم خط الطول الرئيسي كان غير دقيق، وقبل إنشاء معيار عالمي موحد اعتبرت العديد من البلدان خط الطول الذي يمر عبر أهم مدينة ساحلية لديها كخط طول رئيسي.
‎فعلى سبيل المثال، حددت فرنسا خط الطول في باريس كخط طول رئيسي؛ وفي إسبانيا، كان في قادس؛ وفي إيطاليا، كان في نابولي.*
‎وفي القرن التاسع عشر، كان هناك ما لا يقل عن 11 خط طول رئيسي مختلف اختارته كل من أكبر دول الشحن في العالم. وبما أن الوقت وخط الطول مرتبطان ارتباطًا وثيقًا ببعضهما البعض، فإن هذا يعني أيضًا عدم وجود توحيد لقياس الوقت بين الدول.

‎ولم يكن نقص معيار زمني دولي له تأثير كبير في عصر الملاحة البطيء، لكن تطوير السكك الحديدية عبر القارات في منتصف القرن التاسع عشر غير ذلك.
‎بمعنى آخر، فإنّ السفر بالقطار عبر القارات كان يعني أن القطار سيعبر العديد من معايير الوقت غير المنتظمة المختلفة في وقت قصير نسبيًا خاصة في أوروبا، مما يعني بدوره أن الطاقم يجب أن يجري تغييرات زمنية محددة مع كل عبور للحدود الوطنية.*
‎وكلما طالت المسافة، زاد عدد التغييرات الزمنية غير المنتظمة التي يجب إجراؤها، مما زاد من احتمالية حدوث أخطاء في الجدولة والحوادث فخلقت حاجة لإيجاد حل بشكل ضروري.

وفي عام 1884، دعا الرئيس الأميركي تشستر أ. آرثر إلى مؤتمر خط الطول الدولي، حيث اجتمع وفود من 21 دولة في واشنطن العاصمة لتحديد موقع عالمي معترف به لخط الطول الرئيسي ليكون بالتالي معيار عالمي للمناطق الزمنية.

‎ووفق موقع "هيستوري فاكتس" جادل الوفد الفرنسي بأنه لا ينبغي أن يقع خط الطول في أوروبا أو الولايات المتحدة، وأنه يجب أن يكون له "طابع حياد".
‎ولكن الدعم لوضع خط الطول في "غرينيتش" بإنكلترا كان ساحقًا، لأن غالبية كبيرة من الشحن العالمي كانت تعتمد بالفعل على الخرائط البحرية التي تستخدم غرينيتش كخط طول صفر.
‎فكان التصويت لصالح غرينيتش بشبه إجماع؛ إذ صوتت جمهورية الدومينيكان فقط ضد القرار، بينما امتنعت فرنسا عن التصويت.
‎وتم تحديد معيار المنطقة الزمنية بتغيير الوقت لمدة ساعة واحدة لكل 15 درجة من خط الطول، مع اعتبار توقيت غرينيتش نقطة مرجعية.
‎ودعت المناطق الزمنية إلى أن يكون كل 15 درجة شرق خط الطول الرئيسي ساعة واحدة قبل وقت غرينيتش، وكل 15 درجة غرب خط الطول الرئيسي ساعة واحدة بعده.

مع ذلك، وعلى الرغم من اتخاذ القرار بالإجماع إلا أنه لم يكن ملزمًا فعليًا واستغرق الأمر أكثر من 20 عامًا حتى طبقت اليونان، وهولندا، والبرتغال، وروسيا، وتركيا القرار بشأن موقع خط الطول الرئيسي والمعيار العالمي المقابل للمنطقة الزمنية.

‎عام 1972، حل التوقيت العالمي المنسق (UTC) محل توقيت غرينيتش (GMT) كمعيار عالمي لقياس الوقت محتفظًا بخط مرجع عند خط الطول صفر درجة.
‎ولكن بفضل التقدم التكنولوجي مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، تم تحديد موقع أكثر دقة لخط الطول صفر درجة والاتفاق عليه في عام 1984.

ويُعرف خط الطول الرئيسي الحالي باسم خط الطول المرجعي الدولي، ويقع على بعد حوالي 334 قدمًا فقط شرق خط الطول الرئيسي السابق، ولا يزال في غرينيتش.