• ×
الجمعة 22 نوفمبر 2024 | 11-21-2024

هل يمكن أن تسقط الحضارة بانهيار العالم الرقمي ..؟

هل يمكن أن تسقط الحضارة بانهيار العالم الرقمي ..؟
0
0
متابعة في لحظة توقّف العالم فجأة؛ طائرات ساكنة على مدرجات المطارات، ومستشفيات عالقة لا يستطيع أطباؤها إجراء أي عمليات جراحية كانت مدرجة في الخطة، وبنوك عالمية كبيرة تُعاني من انقطاع خدماتها، حتى بعض القنوات الإعلامية ساد لون الفراغ شاشاتها، هذا إن كان للفراغ لون بالطبع.

لأول وهلة، قد توحي لك الكلمات السابقة بأحداث فيلم لنهاية العالم وقعت به كارثة عالمية بأبعاد ملحمية، كما هي العادة في هذا النوع من الأفلام، إلا أن السبب الحقيقي لم يكن وقوع كارثة طبيعية ضخمة أو أزمة جيوسياسية هائلة بين القوى العالمية، بل كان تحديثًا برمجيا روتينيًا اتخذ مسارًا خاطئا داخل خوادم شركة “كراود سترايك”، وهي إحدى الشركات العملاقة في مجال الأمن السيبراني.

لم يكن ذلك الحدث مجرد عثرة بسيطة داخل العالم الرقمي، بل كان كشفًا صريحًا عن مدى اعتمادنا البالغ على الإنترنت وتقنيات الخدمات السحابية في العالم الحقيقي، وهو اعتماد مُتجذّر للغاية في حياتنا اليومية لدرجة أن سطرًا برمجيا خاطئا قد يسبب شللًا لحركة الحضارة الحديثة بأكملها دون سابق إنذار!

ففي يوم الجمعة الموافق 19 يوليو/تموز الماضي، تسبب تحديث لأحد برمجيات الأمن السيبراني التي توفرها شركة كراود سترايك -وهي شركة أمن سيبراني شهيرة تعتمد على الخدمات السحابية- في حدوث خطأ أدى إلى تعطل ملايين الأجهزة التي تعمل بنظام التشغيل ويندوز، في أكبر حدث تعطل تقني في التاريخ حتى هذه اللحظة. وذكرت شركة مايكروسوفت عبر منشور على مدونتها أن هذا الخلل التقني العالمي أثّر على نحو 8.5 ملايين جهاز تعمل بنظام ويندوز.

لا يقتصر الأمر هنا على عدم قدرة الملايين من المستخدمين على تسجيل الدخول إلى حسابات بريدهم الإلكتروني فحسب، بل انقلبت القطاعات والوكالات الحكومية، التي تعتمد على تلك البرمجيات في أبسط عملياتها اليومية الأساسية، رأسًا على عقب.

تملك شركة كراود سترايك واحدة من كبرى الحصص في سوق الأمن السيبراني الذي يتسم بالتنافسية الشديدة في توفير مثل هذه الأدوات، مما دفع بعض المحللين في هذا المجال إلى طرح تساؤلات عن مدى ضرورة استمرار السيطرة على مثل هذه البرمجيات المهمة في أيدي بضع شركات فحسب، كما ذكرت رويترز. لنصبح الآن أمام سيناريو كان يحذر منه كثير من خبراء هذا المجال؛ شركة واحدة تسيطر على السوق أخطأت مرة واحدة، فتسببت في تعطيل شبكة الإنترنت بأكملها واهتزت معها جوانب العالم.

وإذا نظرنا للصورة الكبرى، تُظهر حالات التوقف الناتجة عن هذا الخطأ التقني العالمي مدى اعتماد عالمنا على الخدمات السحابية حاليًا. فمن المؤكد أن تلك الخدمات توفر لنا معظم ما نراه على أي شاشة رقمية الآن، سواءً كانت مواقع التواصل الاجتماعي، أو صفحات المواقع على الإنترنت، أو عربات التسوق الرقمية في منصات التجارة الإلكترونية، ولكن ما قد نغفله أحيانًا أن الخدمات السحابية توفر أيضًا الكثير من الخدمات على أرض الواقع.

إذ تخزن تلك الخدمات بيانات المستخدمين داخل أبنية حقيقية وهي مراكز البيانات، وتتولى تشغيل البرمجيات التي تعتمد عليها المستشفيات والمطارات وغيرها من الهيئات الحكومية في معظم دول العالم الحديث، وغيرها من الخدمات التي تؤثر مباشرة على مجريات حياة البشر اليومية.

تملك البرمجيات تأثيرات فورية على الواقع، وهو ما قد يتسبب في حدوث نتائج كارثية نظرًا لبطء وتيرة العالم الحقيقي في الاستجابة. ففي هذه الحالة، إصلاح الأخطاء التي تسبب بها تحديث كراود سترايك ليس أمرًا بسيطا بالضرورة كسهولة إرسال تحديث جديد ينهي كل شيء فجأة كما بدأ فجأة.

قد يستغرق حل المشكلة بالكامل مدة طويلة ويحتاج إلى مجهود شاق، وهو ما أقرّ به الرئيس التنفيذي للشركة جورج كورتز، مؤكدًا لشبكة “إن بي سي” أن الأمر “قد يستغرق بعض الوقت قبل أن تعود كافة الأنظمة للعمل من جديد”. بالطبع، كل هذا ولم نذكر الخسائر المادية التي تسبب فيها هذا الخطأ البرمجي البسيط!

في خلفية المشهد، تستحوذ ثلاث شركات فقط، وهي أمازون وغوغل ومايكروسوفت، على نحو ثلثي سوق الخدمات السحابية عالميًا. ففي الربع الأول من هذا العام، استحوذت خدمات "أمازون ويب سيرفيسز" و"غوغل كلاود" و"مايكروسوفت أزور" معًا على حصة بلغت 67% من سوق الخدمات السحابية العالمي الذي تبلغ قيمته 76 مليار دولار، وفقًا لما أظهرته بيانات حديثة من شركة "سينرجي" المتخصصة في أبحاث سوق تكنولوجيا المعلومات.

رغم قوتها الهائلة، فإن تلك الشركات تخضع لحاملي الأسهم، وليس لعامة المستخدمين ممن تتحكم في حياتهم، لذا ستكون أولويتها بالطبع هي تعظيم مكاسبها، وبسبب انتشار خدماتها وبرمجياتها انتشارا واسعا في الحياة اليومية، فإن أي انقطاع أو خطأ لن يحدث بمعزل عن العالم الحقيقي، بل سيملك تأثيرًا هائلًا للغاية، وهو ما شهدناه في هذه الحادثة الأخيرة.

ما أظهرته تلك الحادثة كان مدى سهولة انهيار ملايين الجسور الرقمية في الوقت نفسه، لأنها بُنيت بأكملها بأسمنت الشركة ذاتها، مما يطلق عليها الخبراء "نقطة انهيار أحاديّة"