عبدالله بوصوف: إحراق الكتب عبر التاريخ جريمة أخلاقية تنتمي إلى زمن الطغاة
07-08-2023 07:17 صباحاً
0
0
قال عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، إن “أحداثا تاريخية فارقة في تاريخ الإنسانية تخبرنا أن عمليات إحراق الكتب، سواء تلك التي تتخذ من الدين مضمونا، أو تلك التي تقارع أفكارا فلسفية أو فكرية أو أيديولوجيات سياسية واجتماعية…، تشترك في صك اتهام واحد هو معارضتها للقيم الأخلاقية والتعاليم الدينية”.
وتناول بوصوف، في مقال له بعنوان “إحراق الكتب: الجريمة الأخلاقية التي رفضتها القيم الكونية”، مجموعة من الأحداث التاريخية المرتبطة بحرق الكتب والمكتبات في التاريخ الإنساني، قبل أن يؤكد على أن “المجال لم يعد متسعًا لتبرير تصرفات مستفزة تنتمي إلى زمن الطغاة والعصور الوسطى والفاشية والاستعمار، وتساهم في خلق بيئة حاضنة للكراهية والعنصرية والإقصاء”.
هذا نص المقال:
شكلت عمليات إحراق الكتب والمكتبات إحدى الطقوس الملازمة لكل انتقال للسلطة بالحروب أو الثورات أو الانتقال إلى إيديولوجية أخرى في أكثر من محطات التاريخ الإنساني.. وتخبرنا أحداث تاريخية فارقة في تاريخ الإنسانية أن عمليات إحراق الكتب سواء تلك التي تتخذ من الدين مضمونا أو تلك التي تقارع أفكارا فلسفية أو فكرية أو أيديولوجيات سياسية واجتماعية… تشترك في صك إتهام واحد، وهو معارضتها للقيم الأخلاقية والتعاليم الدينية أو تعارض أفكار النخبة الحاكمة أو المسيطرة…
لذلك فقد كانت عمليات الحرق تلك بمثابة “جرائم تطهير ثقافي” وإلغاء لكل المعالم الثقافية والفكرية التي كانت تؤثث مرحلة معينة، لشعب أو دولة معينة… وتطورت تلك الجرائم من الحرق والتدنيس إلى ما يعرف اليوم بظاهرة “ثقافة الإلغاء “cancel culture والتي تتخذ من الأشخاص هدفا لها قصد التبليغ عن أخطائهم وبالتالي نبذهم… وهنا نكون أمام مفاهيم مقلوبة من “إلغاء ثقافة” الآخر، إلى “ثقافة الإلغاء” لكل فكر معارض ومنهج مخالف.. وهنا أيضا سنكون أمام ثنائية “حرية التعبير” كحق إنساني كوني من جهة، واحترام خصوصيات وحريات الآخرين في التفكير والمعتقد من جهة ثانية… إذ من غير المعقول فرض فكر أو الغاء فكر بقوة الحديد والنار…
فالتاريخ نفسه يحدثنا عن الإمبراطور الصيني صاحب الجيش الطيني سنة 212 ق/م الذي حرق آلاف الكتب ودفن كتابا ومفكرين أحياء..
التاريخ يحدثنا عن إعلان الكنيسة الكاثوليكية في عهد “البابا باولو الرابع” عن “قائمة الكتب الممنوعة” سنة 1559 لأنها “هرطقة” ضد الإيمان والأخلاق… ومن بينها كتاب الأمير لنيكولو ميكيافيلي وقصص Decameron … وغيرها… وستعرف قائمة المنع العديد من التعديلات قبل أن يطالها الإلغاء سنة 1966 أي بعد أكثر من 400 سنة…!
التاريخ يحدثنا عن وزير البروباغندا النازي “جوزيف غولبس” وكيف وقف مزهوا ليلة 10 مارس من سنة 1933.. يتابع عملية إحراق أكثر من 25 ألف كتاب لا يتماشى مضمونها مع الفكر النازي.. حيث أغلب كُتابها غير ألمانيين أو من اليهود أو اشتراكيين وعلى رأسهم كُتُب كارل ماركس وبيرتولد بريخث وهامينغواي وجاك لندن وطوماس مان وأيريش كاستنر وكافكا… ولم يستثن حفل إحراق برلين لسنة 1933 نسخ من المنشورات الدينية والإنجيل…
وكذلك فعلت التنظيمات الإرهابية “القاعدة” و”داعش” بحرق المتاحف وتدمير مآثر تاريخية مهمة سواء بالعراق أو سوريا.. وكذا قيام حركة “طالبان” بتدمير تماثيل وقطع أثرية لا تقدر بثمن بأفغانستان…
وقد سجل التاريخ أيضا، حركات احتجاج ضد عمليات الحرق ومحاولات إبادة ثقافات الشعوب الأصلية سواء في أمريكا أو إفريقيا… إذ تم رفع عمليات الحرق إلى جرائم “تطهير ثقافية” و”بيبليوفوبيا” بإحراق مكتبات من حجم مكتبة بغداد في عهد المغول ومكتبة القسطنطينية والمكتبة الفرنسية بستراسبورغ سنة 1870 ومكتبة البوسنه ومكتبات ليتوانيا وكمبوديا وكابول وغيرها… لأن المكتبات تُشكل خزانات لأسلحة فكرية وثقافية وسياسية ولإيديولوجيات عابرة للجدران… قد تفلح النيران في أكل أوراقها… لكنها لن تصل أبدا إلى إبادتها بالكامل، فكتابات ابن رشد والغزالي.. مثلا، مازالت حية رغم الاحتفال بإحراقها ذات سياق زمني بالأندلس..
نسوق هذا السرد السريع لأهم أحداث إحراق الكتب والمكتبات في التاريخ الإنساني.. إذ كنا نعتقد ان العالم الغربي الذي يتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية المعتقد.. أنه قطع مع كل أشكال التطرف الفكري وكل أشكال إلغاء ثقافة الآخر.. كما كِدنا نعتقد أن الفكر الإنساني قد وسع من هامش “ثقافة قبول” اختلاف ثقافة الآخر… فبالأمس سُمح بنشر رسوم ساخرة من رسول المسلمين تحت “يافطة” حرية التعبير وكذلك سُمِح بإحراق نسخ من القرآن الكريم في أكثر من عاصمة غربية تحت نفس المبرر/ الحق.. دون مراعاة شعور كل المسلمين في العالم والسخرية من رموزهم ومعتقداتهم.. وضدا في الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية / الإسلامية…
فكلنا يتذكر احتجاجات الغرب وتوسلاتهم وتقديم إغراءات مالية ووُعود بالمساعدات… لحركة طالبان المسجلة “إرهابية” عند عزمها على تدمير “تمثال بوذا” بافغانستان.. باعتباره تراثًا إنسانيا..
في المقابل لم نشهد تلك المنظمات والوجوه الحقوقية والأقلام الديمقراطية… تحتج أو تندد أو تصرخ في وجه ذلك “المعتوه” الذي تجرأ في أول أيام عيد الأضحى بكل دلالاته الدينية والرمزية.. بحرقه لنسخة من القرآن الكريم في دولة السويد الديمقراطية والتي تدعي حماية الأقليات وحقوق الإنسان.. حيث رخصت بقرار قضائي السماح بحرق “كبد” المسلمين أمام مسجد ستوكهولم.. وضدا في المواثيق والقوانين والأخلاقيات الكونية المُهيكِلة لحق وحرية المعتقد…
فلم يعد العقل والفكر الإنساني يقبلان بمثل هذه التصرفات المتطرفة الرافضة للآخر.. كما لم يعد المجال متسعًا لتبرير تصرفات مستفزة تنتمي لزمن الطغاة وللعصور الوسطى والفاشية والاستعمار… وتساهم في خلق بيئة حاضنة للكراهية والعنصرية والإقصاء..
هيسبريس
وتناول بوصوف، في مقال له بعنوان “إحراق الكتب: الجريمة الأخلاقية التي رفضتها القيم الكونية”، مجموعة من الأحداث التاريخية المرتبطة بحرق الكتب والمكتبات في التاريخ الإنساني، قبل أن يؤكد على أن “المجال لم يعد متسعًا لتبرير تصرفات مستفزة تنتمي إلى زمن الطغاة والعصور الوسطى والفاشية والاستعمار، وتساهم في خلق بيئة حاضنة للكراهية والعنصرية والإقصاء”.
هذا نص المقال:
شكلت عمليات إحراق الكتب والمكتبات إحدى الطقوس الملازمة لكل انتقال للسلطة بالحروب أو الثورات أو الانتقال إلى إيديولوجية أخرى في أكثر من محطات التاريخ الإنساني.. وتخبرنا أحداث تاريخية فارقة في تاريخ الإنسانية أن عمليات إحراق الكتب سواء تلك التي تتخذ من الدين مضمونا أو تلك التي تقارع أفكارا فلسفية أو فكرية أو أيديولوجيات سياسية واجتماعية… تشترك في صك إتهام واحد، وهو معارضتها للقيم الأخلاقية والتعاليم الدينية أو تعارض أفكار النخبة الحاكمة أو المسيطرة…
لذلك فقد كانت عمليات الحرق تلك بمثابة “جرائم تطهير ثقافي” وإلغاء لكل المعالم الثقافية والفكرية التي كانت تؤثث مرحلة معينة، لشعب أو دولة معينة… وتطورت تلك الجرائم من الحرق والتدنيس إلى ما يعرف اليوم بظاهرة “ثقافة الإلغاء “cancel culture والتي تتخذ من الأشخاص هدفا لها قصد التبليغ عن أخطائهم وبالتالي نبذهم… وهنا نكون أمام مفاهيم مقلوبة من “إلغاء ثقافة” الآخر، إلى “ثقافة الإلغاء” لكل فكر معارض ومنهج مخالف.. وهنا أيضا سنكون أمام ثنائية “حرية التعبير” كحق إنساني كوني من جهة، واحترام خصوصيات وحريات الآخرين في التفكير والمعتقد من جهة ثانية… إذ من غير المعقول فرض فكر أو الغاء فكر بقوة الحديد والنار…
فالتاريخ نفسه يحدثنا عن الإمبراطور الصيني صاحب الجيش الطيني سنة 212 ق/م الذي حرق آلاف الكتب ودفن كتابا ومفكرين أحياء..
التاريخ يحدثنا عن إعلان الكنيسة الكاثوليكية في عهد “البابا باولو الرابع” عن “قائمة الكتب الممنوعة” سنة 1559 لأنها “هرطقة” ضد الإيمان والأخلاق… ومن بينها كتاب الأمير لنيكولو ميكيافيلي وقصص Decameron … وغيرها… وستعرف قائمة المنع العديد من التعديلات قبل أن يطالها الإلغاء سنة 1966 أي بعد أكثر من 400 سنة…!
التاريخ يحدثنا عن وزير البروباغندا النازي “جوزيف غولبس” وكيف وقف مزهوا ليلة 10 مارس من سنة 1933.. يتابع عملية إحراق أكثر من 25 ألف كتاب لا يتماشى مضمونها مع الفكر النازي.. حيث أغلب كُتابها غير ألمانيين أو من اليهود أو اشتراكيين وعلى رأسهم كُتُب كارل ماركس وبيرتولد بريخث وهامينغواي وجاك لندن وطوماس مان وأيريش كاستنر وكافكا… ولم يستثن حفل إحراق برلين لسنة 1933 نسخ من المنشورات الدينية والإنجيل…
وكذلك فعلت التنظيمات الإرهابية “القاعدة” و”داعش” بحرق المتاحف وتدمير مآثر تاريخية مهمة سواء بالعراق أو سوريا.. وكذا قيام حركة “طالبان” بتدمير تماثيل وقطع أثرية لا تقدر بثمن بأفغانستان…
وقد سجل التاريخ أيضا، حركات احتجاج ضد عمليات الحرق ومحاولات إبادة ثقافات الشعوب الأصلية سواء في أمريكا أو إفريقيا… إذ تم رفع عمليات الحرق إلى جرائم “تطهير ثقافية” و”بيبليوفوبيا” بإحراق مكتبات من حجم مكتبة بغداد في عهد المغول ومكتبة القسطنطينية والمكتبة الفرنسية بستراسبورغ سنة 1870 ومكتبة البوسنه ومكتبات ليتوانيا وكمبوديا وكابول وغيرها… لأن المكتبات تُشكل خزانات لأسلحة فكرية وثقافية وسياسية ولإيديولوجيات عابرة للجدران… قد تفلح النيران في أكل أوراقها… لكنها لن تصل أبدا إلى إبادتها بالكامل، فكتابات ابن رشد والغزالي.. مثلا، مازالت حية رغم الاحتفال بإحراقها ذات سياق زمني بالأندلس..
نسوق هذا السرد السريع لأهم أحداث إحراق الكتب والمكتبات في التاريخ الإنساني.. إذ كنا نعتقد ان العالم الغربي الذي يتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية المعتقد.. أنه قطع مع كل أشكال التطرف الفكري وكل أشكال إلغاء ثقافة الآخر.. كما كِدنا نعتقد أن الفكر الإنساني قد وسع من هامش “ثقافة قبول” اختلاف ثقافة الآخر… فبالأمس سُمح بنشر رسوم ساخرة من رسول المسلمين تحت “يافطة” حرية التعبير وكذلك سُمِح بإحراق نسخ من القرآن الكريم في أكثر من عاصمة غربية تحت نفس المبرر/ الحق.. دون مراعاة شعور كل المسلمين في العالم والسخرية من رموزهم ومعتقداتهم.. وضدا في الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية / الإسلامية…
فكلنا يتذكر احتجاجات الغرب وتوسلاتهم وتقديم إغراءات مالية ووُعود بالمساعدات… لحركة طالبان المسجلة “إرهابية” عند عزمها على تدمير “تمثال بوذا” بافغانستان.. باعتباره تراثًا إنسانيا..
في المقابل لم نشهد تلك المنظمات والوجوه الحقوقية والأقلام الديمقراطية… تحتج أو تندد أو تصرخ في وجه ذلك “المعتوه” الذي تجرأ في أول أيام عيد الأضحى بكل دلالاته الدينية والرمزية.. بحرقه لنسخة من القرآن الكريم في دولة السويد الديمقراطية والتي تدعي حماية الأقليات وحقوق الإنسان.. حيث رخصت بقرار قضائي السماح بحرق “كبد” المسلمين أمام مسجد ستوكهولم.. وضدا في المواثيق والقوانين والأخلاقيات الكونية المُهيكِلة لحق وحرية المعتقد…
فلم يعد العقل والفكر الإنساني يقبلان بمثل هذه التصرفات المتطرفة الرافضة للآخر.. كما لم يعد المجال متسعًا لتبرير تصرفات مستفزة تنتمي لزمن الطغاة وللعصور الوسطى والفاشية والاستعمار… وتساهم في خلق بيئة حاضنة للكراهية والعنصرية والإقصاء..
هيسبريس