السيميوطيقا ودراسة النص الأدبي ..
06-13-2023 10:00 صباحاً
0
0
متابعات يشكل المنهج السيميوطيقا مدخلا مختلفا لقراءة النص الإبداعي، لأنه يعتمد على مفهوم مفاده أن البناء اللغوي نظام من علامات يرتبط بالمستخدم ذاته، "فليس للعلامات معنى أصلي ملازم لها أو كامن بداخلها، فالعلامات تصبح علامات فقط عندما يقوم مستخدموها بإكسابها معناها، من خلال إحالتها إلى شفرة معينة معروفة" ، وفقا لهذا المفهوم، تصبح اللغة نظاما إشاريا/ علاماتيا، يتوافر متى اتفق عليه متكلمو اللغة ومبدعوها والذين تواضعوا على ألفاظ بعينها بوصفها علامات بينهم، تتنوع دلالة مفرداتها من خلال الاستخدام اللغوي الدلالي للكلمات، وهذا يفسر لنا وجود معان عديدة للفظة الواحدة في اللغة، وتختلف المعاني نفسها من عصر إلى عصر حسب الاستخدام اللغوي أيضا، وبذلك، يكون الاستخدام هو المحك الأساسي للعلامة على مستوى فهم معناها/ دلالتها، ومتى رسوخها واستمرارها أو تغيرها وتبدلها. "واللغة تتضمن بطريقة ما في قواعدها الدلالية تعليمات موجهة بصفة تداولية، إلا أنه أمام ثراء السياقات.. يصبح من غير الممكن الإحاطة بجميع استعمالات كلمة ما، ويتعين الانتقال من أنموذج القاموس إلى أنموذج الموسوعة" ، فنموذج الموسوعة، يعتمد على موسوعية المتلقي، التي تفتح المجال لتأويل الكلمة في سياقاتها الكثيرة، التي تتخطى المعاني القاموسية إلى فضاء تداولي ودلالي واسع، ومنه تتحول الكلمات إلى علامات.****
السميوطيقا والإبداع:
**** ونفس الأمر السابق نجده في عالم الإبداع الأدبي، بل يتجلى بصورة أبرز في الأسلوب الأدبي، لأن المبدع هنا متعمد في صياغة علاماته وإشاراته، مفرداته وتراكيبه، صوره وأخيلته، من أجل أن يجذب متلقيه إلى الجديد في صياغة أسلوبه. فالنص:عمل أدبي خلاق، يمكن إدراجه تحت أية تسمية، ولا تسمية له، لأنه بتحرره هذا، ينتج الجديد ويبدع، بل إن المدرسة الفرنسية تربط النص بمفهوم الكتابة، بوصفها وسيلة اجتماعية، تعبر عن علاقة بين المبدعين من جهة والقراء من جهة أخرى، فالكتابة جنس أدبي من التعبير/ المؤسسة الاجتماعية، يتميز عنها بشفراته وأعرافه وتقاليده الأدبية المتعارف عليها .
** ومعلوم أن "السيميولوجيا" كمصطلح تشمل دراسة العلامات بشكل عام في الحياة والعلوم حيث يتبع تقاليد مدرسة جنيف التي تزعّمها "دي سوسير" وأشار إلى أن اللغة نظام من العلامات. أما مصطلح "السيميوطيقا" فينصرف إلى دراسة العلامات في أسسها ومجالاتها الجمالية في الأدب والفنون، حسب مدرسة الترجمة العربية المعاصرة التي تعتمد على المصادر الأنجلوسكسونية في ترجمتها لمصطلحات عديدة مثل البويطيقا وغيرها، في حين أن هناك اتجاها ثالثا يحاول تجذير المصطلح بلفظ تراثي عربي، فيطلق عليه "السيمياء"، وهذا لدى النقاد المغاربة، مع العلم أن لفظة السيمياء تقترن بالكهانة والسحر، مما يبعدها عن الإطار المعرفي المنبثقة منه في العصر الحديث، ويوقعه في مظنة الاشتباه مع مجالات عربية قديمة لا علاقة له بها، فالأرجح استخدام المصطلح الحديث توثيقا للعلاقة المعرفية مع الفكر النقدي الحديث، وتيسيرا على المتلقين أنفسهم ،
نهج الدراسة السيميوطيقية:
***** إن الولوج السيميوطيقي في التجربة الإبداعية في النصوص الأدبية عامة* يتأتى في نظرنا ببعدين أساسيين يتصل بعضهما بالآخر، بل يرتبط الثاني بالأول.
البعد الأول: يتصل بالعلامات المطروقة بين المتلقين، وتعني: تلك العلامات المنتشرة بين القراء، وتشير إلى دلالات بعينها، مثل الألفاظ الشعبية أو الأسطورية أو الفكرية.. إلخ، ولاشك أن أي مستخدم للغة يستند إليها، لأنه يبني على ما عند القارئ، ومن ثم يأتي بجديده، وبعبارة أوجز: فإن المبدع لا يستغني عن القاموس العلاماتي عند القارئ، قبل أن يقدم الجديد من علاماته. فالنص رسالة، "ولا يستطيع أحد فهم المرسلة المذكورة، من دون معرفته بالشيفرات الاجتماعية والنصية المناسبة" ، فلا يتصورن أحد أن هناك مبدعا يتفرد بعلاماته ويستغنى عن الدارج منها، فسيكون قاموسه اللغوي في إبداعه أشبه بالطلاسم. وهذا ما يسمى في السيميولوجيا بـاستخدام "علامات الإصرار" التي تنشأ من الاستعمال اليومي (أو الحياتي) بغض النظر عن النقاشات النظرية، وترى أنها استدلالات طبيعية" ، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك علامات "اعتباطية"، تحظى بالمكانة في الاستخدام دون قصد بعينه من المرسل / المتكلم أو توافق من المستقبل، ولكنها تؤدي دورها في الفهم والتواصل، وبعضها لغوي وكثيرها إشارات بالحركات ،
البعد الثاني: جهد المبدع نفسه في صياغة علاماته، وهي تأتي على أطوار، فهناك صياغات داخل النص، تتطور وتتصاعد دلالاتها من نص إلى آخر، يوعيها القارئ، عندما يكون الكتاب/ النص كاملا بين يديه، فينتقل مع المبدع ويرتحل معه، لنكتشف في النهاية أن العلامة المستخدمة تطورت، وتوسعت دلالاتها، وتعمقت إيحاءاتها. فمثلا في الرواية عندما يستخدم المبدع اسم شخصية ما في مستهل روايته، سيكون مدلول اسم الشخصية في بداية الأحداث مختلفا عن ذروتها وكذلك عن نهايتها، ويختلف بالطبع في التلقي لدى القارئ، في بداية قراءته عما سيحدث معه في نهاية القراءة. ونفس الأمر سيكون في العلامة الشعرية أو الدرامية، فما يطرحه المبدع على متلقيه، يكون طرحا أوليا يتزايد في حمولته الإشارية كلما أمعن المبدع في استخدامه، وحمّله بالمزيد من الطروحات. وبالطبع هناك علامات ثابتة في النص دلاليا، وهناك متغيرة، وهذا يتوقف على التجربة الإبداعية ذاتها، وعلى مرامات المبدع، وأيضا قدرة الناقد على فك شفرات العلامات.
** وعندما نتحدث في الإبداع الأدبي عن العلامات، فإننا نعني أساسا العلامات اللغوية في بنيتها، ومن ثم يتم تفكيكها في كيانات ذات بعد أكبر أو أصغر .
* وهذا لا يعني إهمال (أو غض الطرف) عن علامات أخرى غير لغوية مثل شكل الكتابة وتصميم الغلاف، والرسوم الداخلية المصاحبة وغير ذلك، وإنما نعطي الأولوية للعلامات اللغوية، بوصفها السبيل الأساسي لفهم النص، لذا، فإن النقد السيميوطيقي يحتفي بما اهتم به النقد المعاصر في منهج المكملات النصية، والذي يعني بالنصوص التي: تخفر المتن، وتحيط به من عناوين، وأسماء المؤلفين، والإهداءات، والخاتمات والفهارس والحواشي، وخطاب المقدمات والمكملات فيما يسمى العتبات ، أو بالأدق هنا العتبات السيميائية، لأن المكملات النصية تنصرف إلى ما هو حول النص الأساسي، ولكن المنهج السيميوطيقي يتقاطع معها في كون هذه المكملات حاوية لعلامات أو موضحة لعلامات مذكورة في النص، فمن الممكن أن تفسر المكملات النصية بعض العلامات الواردة، خصوصا أن كثيرا من المبدعين لا يوردون إيضاحات حول العلامات في نصوصهم.
الكفاءة السيميوطيقية:
***
وفي ضوء ما سبق، فإن الناقد الأدبي عليه أن يتحلى بما يسمى "الكفاءة السيميوطيقية" والتي تعني في رأينا: توافر كفاءة الناقد الأدبي و تسلحه بمهارات عديدة بجانب عمق ثقافته التي تساعده على اكتشاف العلامات من جهة، وعلى ربطها مع بعضها من جهة أخرى، ورصد تصاعد أو اختلاف أو تنوّع دلالاتها، ومن ثم تحليلها تحليلا وافيا عميقا، يكشف كنه هذه العلامات، وما أضافه ورودها في النص.
**** لذا، فإن الباحث/ الناقد عليه أن يكون راصدا للعلامات الأساسية في النص التي تنتظم حولها العلامات الأخرى، مع إدراك "روح الثقافة" التي يعبر عنها النص الأدبي، كي يتعرف على الإطار العام الذي تعمل فيه العلامات، وهو إطار زماني مكاني (بجانب العمق الثقافي)، فالعلامات السيميوطيقية تكتسب دلالاتها من التراكم المكاني والزماني على حد سواء، بل هي مقننة تقنينا ثقافيا، وفي جميع الأحوال لا يمكن التوصل إلى دلالتها إلا من خلال التعلم، ولا يكتفى بهذا بالتعلم النظري فقط، بل يحتاج الأمر إلى التعلم الحياتي والممارسة الفعلية .
*إن المنهج السيميوطيقي، يشكّل منطلقا فريدا لتفسير النص الأدبي، فالناقد الأدبي الذي يتسلح به، يمكنه أن يقرأ النص عبر آلياته، والتي نرى أنها تأتي وفق منهجية قوامها القراءة العميقة للنص، ومن ثم حصر العلامات الأساسية فيه، وتصنيفها في حقول دلالية مشتركة، ومن ثم تتبع العلامات الفرعية، التي تتغذى من العلامات الأساسية وتثري إيحاءاتها في آن واحد، وفي هذه الحالة، فإن الدراسة النقدية السميوطيقية، ستخرج من النص بشبكة من العلامات يمكن رسمها في خريطة دلالية، جذورها وسيقانها: العلامات المحورية الأساسية، وفروعها العلامات المتفرعة عنها.* وهذا كله يستلزم وعيا مختلفا لدى الناقد، يدفعه إلى تعميق ثقافته دوما، والدراسة الواسعة للثقافة والعصر والمكان الذي يعبر عنه المبدع في نصوصه، فالجميل في المنهج السيميوطيقي أنه ينطلق من لغة النص نفسه: المفردات، والتراكيب، والفقرات، ومن ثم يتم تحليل المعطيات الدلالية وفق ورودها وما تشعه في النص من جهة، وما يضفيه عليها السياق النصي من جهة أخرى، وهذا لب المنهجية العلمية النقدية، التي تنزع بالدرس النقدي إلى عالم النص ولغته.
** وأيضا، يستلزم وعيا آخر لدى المبدع، حيث سيكون مدركا أن علاماته النصية إنما هي شفرات عليه أن يبدع في انتقائها وصياغتها، وتشكيل معجم علاماتي خاص به، وفي نفس الوقت يرتب نصوص كتابه في ضوء هذا الوعي الجديد، فالترتيب النصي الواعي يساهم – حتما وبلاشك – في تقديم الدلالة السميوطيقية وفق مرام المبدع، ويساهم في استقبالها الجيد من قبل القارئ.
منقول ..
من مقال د.مصطفى عطية جمعة
السميوطيقا والإبداع:
**** ونفس الأمر السابق نجده في عالم الإبداع الأدبي، بل يتجلى بصورة أبرز في الأسلوب الأدبي، لأن المبدع هنا متعمد في صياغة علاماته وإشاراته، مفرداته وتراكيبه، صوره وأخيلته، من أجل أن يجذب متلقيه إلى الجديد في صياغة أسلوبه. فالنص:عمل أدبي خلاق، يمكن إدراجه تحت أية تسمية، ولا تسمية له، لأنه بتحرره هذا، ينتج الجديد ويبدع، بل إن المدرسة الفرنسية تربط النص بمفهوم الكتابة، بوصفها وسيلة اجتماعية، تعبر عن علاقة بين المبدعين من جهة والقراء من جهة أخرى، فالكتابة جنس أدبي من التعبير/ المؤسسة الاجتماعية، يتميز عنها بشفراته وأعرافه وتقاليده الأدبية المتعارف عليها .
** ومعلوم أن "السيميولوجيا" كمصطلح تشمل دراسة العلامات بشكل عام في الحياة والعلوم حيث يتبع تقاليد مدرسة جنيف التي تزعّمها "دي سوسير" وأشار إلى أن اللغة نظام من العلامات. أما مصطلح "السيميوطيقا" فينصرف إلى دراسة العلامات في أسسها ومجالاتها الجمالية في الأدب والفنون، حسب مدرسة الترجمة العربية المعاصرة التي تعتمد على المصادر الأنجلوسكسونية في ترجمتها لمصطلحات عديدة مثل البويطيقا وغيرها، في حين أن هناك اتجاها ثالثا يحاول تجذير المصطلح بلفظ تراثي عربي، فيطلق عليه "السيمياء"، وهذا لدى النقاد المغاربة، مع العلم أن لفظة السيمياء تقترن بالكهانة والسحر، مما يبعدها عن الإطار المعرفي المنبثقة منه في العصر الحديث، ويوقعه في مظنة الاشتباه مع مجالات عربية قديمة لا علاقة له بها، فالأرجح استخدام المصطلح الحديث توثيقا للعلاقة المعرفية مع الفكر النقدي الحديث، وتيسيرا على المتلقين أنفسهم ،
نهج الدراسة السيميوطيقية:
***** إن الولوج السيميوطيقي في التجربة الإبداعية في النصوص الأدبية عامة* يتأتى في نظرنا ببعدين أساسيين يتصل بعضهما بالآخر، بل يرتبط الثاني بالأول.
البعد الأول: يتصل بالعلامات المطروقة بين المتلقين، وتعني: تلك العلامات المنتشرة بين القراء، وتشير إلى دلالات بعينها، مثل الألفاظ الشعبية أو الأسطورية أو الفكرية.. إلخ، ولاشك أن أي مستخدم للغة يستند إليها، لأنه يبني على ما عند القارئ، ومن ثم يأتي بجديده، وبعبارة أوجز: فإن المبدع لا يستغني عن القاموس العلاماتي عند القارئ، قبل أن يقدم الجديد من علاماته. فالنص رسالة، "ولا يستطيع أحد فهم المرسلة المذكورة، من دون معرفته بالشيفرات الاجتماعية والنصية المناسبة" ، فلا يتصورن أحد أن هناك مبدعا يتفرد بعلاماته ويستغنى عن الدارج منها، فسيكون قاموسه اللغوي في إبداعه أشبه بالطلاسم. وهذا ما يسمى في السيميولوجيا بـاستخدام "علامات الإصرار" التي تنشأ من الاستعمال اليومي (أو الحياتي) بغض النظر عن النقاشات النظرية، وترى أنها استدلالات طبيعية" ، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك علامات "اعتباطية"، تحظى بالمكانة في الاستخدام دون قصد بعينه من المرسل / المتكلم أو توافق من المستقبل، ولكنها تؤدي دورها في الفهم والتواصل، وبعضها لغوي وكثيرها إشارات بالحركات ،
البعد الثاني: جهد المبدع نفسه في صياغة علاماته، وهي تأتي على أطوار، فهناك صياغات داخل النص، تتطور وتتصاعد دلالاتها من نص إلى آخر، يوعيها القارئ، عندما يكون الكتاب/ النص كاملا بين يديه، فينتقل مع المبدع ويرتحل معه، لنكتشف في النهاية أن العلامة المستخدمة تطورت، وتوسعت دلالاتها، وتعمقت إيحاءاتها. فمثلا في الرواية عندما يستخدم المبدع اسم شخصية ما في مستهل روايته، سيكون مدلول اسم الشخصية في بداية الأحداث مختلفا عن ذروتها وكذلك عن نهايتها، ويختلف بالطبع في التلقي لدى القارئ، في بداية قراءته عما سيحدث معه في نهاية القراءة. ونفس الأمر سيكون في العلامة الشعرية أو الدرامية، فما يطرحه المبدع على متلقيه، يكون طرحا أوليا يتزايد في حمولته الإشارية كلما أمعن المبدع في استخدامه، وحمّله بالمزيد من الطروحات. وبالطبع هناك علامات ثابتة في النص دلاليا، وهناك متغيرة، وهذا يتوقف على التجربة الإبداعية ذاتها، وعلى مرامات المبدع، وأيضا قدرة الناقد على فك شفرات العلامات.
** وعندما نتحدث في الإبداع الأدبي عن العلامات، فإننا نعني أساسا العلامات اللغوية في بنيتها، ومن ثم يتم تفكيكها في كيانات ذات بعد أكبر أو أصغر .
* وهذا لا يعني إهمال (أو غض الطرف) عن علامات أخرى غير لغوية مثل شكل الكتابة وتصميم الغلاف، والرسوم الداخلية المصاحبة وغير ذلك، وإنما نعطي الأولوية للعلامات اللغوية، بوصفها السبيل الأساسي لفهم النص، لذا، فإن النقد السيميوطيقي يحتفي بما اهتم به النقد المعاصر في منهج المكملات النصية، والذي يعني بالنصوص التي: تخفر المتن، وتحيط به من عناوين، وأسماء المؤلفين، والإهداءات، والخاتمات والفهارس والحواشي، وخطاب المقدمات والمكملات فيما يسمى العتبات ، أو بالأدق هنا العتبات السيميائية، لأن المكملات النصية تنصرف إلى ما هو حول النص الأساسي، ولكن المنهج السيميوطيقي يتقاطع معها في كون هذه المكملات حاوية لعلامات أو موضحة لعلامات مذكورة في النص، فمن الممكن أن تفسر المكملات النصية بعض العلامات الواردة، خصوصا أن كثيرا من المبدعين لا يوردون إيضاحات حول العلامات في نصوصهم.
الكفاءة السيميوطيقية:
***
وفي ضوء ما سبق، فإن الناقد الأدبي عليه أن يتحلى بما يسمى "الكفاءة السيميوطيقية" والتي تعني في رأينا: توافر كفاءة الناقد الأدبي و تسلحه بمهارات عديدة بجانب عمق ثقافته التي تساعده على اكتشاف العلامات من جهة، وعلى ربطها مع بعضها من جهة أخرى، ورصد تصاعد أو اختلاف أو تنوّع دلالاتها، ومن ثم تحليلها تحليلا وافيا عميقا، يكشف كنه هذه العلامات، وما أضافه ورودها في النص.
**** لذا، فإن الباحث/ الناقد عليه أن يكون راصدا للعلامات الأساسية في النص التي تنتظم حولها العلامات الأخرى، مع إدراك "روح الثقافة" التي يعبر عنها النص الأدبي، كي يتعرف على الإطار العام الذي تعمل فيه العلامات، وهو إطار زماني مكاني (بجانب العمق الثقافي)، فالعلامات السيميوطيقية تكتسب دلالاتها من التراكم المكاني والزماني على حد سواء، بل هي مقننة تقنينا ثقافيا، وفي جميع الأحوال لا يمكن التوصل إلى دلالتها إلا من خلال التعلم، ولا يكتفى بهذا بالتعلم النظري فقط، بل يحتاج الأمر إلى التعلم الحياتي والممارسة الفعلية .
*إن المنهج السيميوطيقي، يشكّل منطلقا فريدا لتفسير النص الأدبي، فالناقد الأدبي الذي يتسلح به، يمكنه أن يقرأ النص عبر آلياته، والتي نرى أنها تأتي وفق منهجية قوامها القراءة العميقة للنص، ومن ثم حصر العلامات الأساسية فيه، وتصنيفها في حقول دلالية مشتركة، ومن ثم تتبع العلامات الفرعية، التي تتغذى من العلامات الأساسية وتثري إيحاءاتها في آن واحد، وفي هذه الحالة، فإن الدراسة النقدية السميوطيقية، ستخرج من النص بشبكة من العلامات يمكن رسمها في خريطة دلالية، جذورها وسيقانها: العلامات المحورية الأساسية، وفروعها العلامات المتفرعة عنها.* وهذا كله يستلزم وعيا مختلفا لدى الناقد، يدفعه إلى تعميق ثقافته دوما، والدراسة الواسعة للثقافة والعصر والمكان الذي يعبر عنه المبدع في نصوصه، فالجميل في المنهج السيميوطيقي أنه ينطلق من لغة النص نفسه: المفردات، والتراكيب، والفقرات، ومن ثم يتم تحليل المعطيات الدلالية وفق ورودها وما تشعه في النص من جهة، وما يضفيه عليها السياق النصي من جهة أخرى، وهذا لب المنهجية العلمية النقدية، التي تنزع بالدرس النقدي إلى عالم النص ولغته.
** وأيضا، يستلزم وعيا آخر لدى المبدع، حيث سيكون مدركا أن علاماته النصية إنما هي شفرات عليه أن يبدع في انتقائها وصياغتها، وتشكيل معجم علاماتي خاص به، وفي نفس الوقت يرتب نصوص كتابه في ضوء هذا الوعي الجديد، فالترتيب النصي الواعي يساهم – حتما وبلاشك – في تقديم الدلالة السميوطيقية وفق مرام المبدع، ويساهم في استقبالها الجيد من قبل القارئ.
منقول ..
من مقال د.مصطفى عطية جمعة