سيد قطب .. الاسم المقرون بالدم والسند الأساسي للتكفيريين ودعاة الخروج على الحاكم ..!
01-20-2023 06:15 مساءً
0
0
قبل 54 عاما نُفذ حكم الإعدام بمنظر جماعة الإخوان المسلمين، سيد قطب، الأب الروحي للتنظيمات الجهادية، فلا يذكر اسمه بمعزل عن الدم، ولا تطرح أفكاره وعباراته إلا في سياق حثّ الشباب الباحث عن هوية على القتل باسم الدين، ولا يولد تنظيم راديكالي إسلامي في العالم العربي من المحيط إلى الخليج دون توصية الأعضاء بقراءة كتبه المنتشرة كالجراد.
من أوائل منظري فكر السلفية الجهادية منذ ستينات القرن الماضي، حيث قاد العمل الدعوي والتنظيمي من داخل مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين.
وهو حتى يومنا هذا سندا أساسيا للتكفيريين ودعاة الخروج على الحاكم، من خلال أفكاره ورؤاه وقراءاته التي اعتبرت متزمتة للشريعة والحياة والنظام، بل إنه لم يتوان عن تكفير الجميع بسبب نزعته التخريبية. لكن ما سر المرأة في حياة قطب، خاصة تلك التي دفعته إلى التحول من كاتب وروائي إلى زعيم تكفيري.
هذا الرجل المتشدد كان كاتبا متعدد الإسهامات وشاعرا وروائيا وناقدا ومحللا قبل أن يكون كاتب تكفير من الطراز الأول ما جعل نهايته درامية بشكل مستغرب.
في التاسع والعشرين من أغسطس سنة 1966 نفذ حكم الإعدام شنقا بحق قطب بتهمة قيادة تنظيم انقلابي إسلامي يتبنى العنف منهجا للتغيير ويجلب السلاح ويخطط للقتل والخراب. من يومها اكتسب قطب أهمية لدى الجماعات الراديكالية، فهو المُنظّر الأول للتكفير والمحرض على الآخر والرافض للحضارة والتمدن ، شديد العداء لأصحاب الأديان الأخرى ( وغير مكترث بالمرأة ) ، ويعيش في وهم المؤامرة الكونية الدائمة ضد الإسلام.
لم تكن بدايات سيد قطب توحي بالنهايات، حيث انقلب من شاعر إلى “ثائر”، ومن كاتب إلى محرض، ومن رومانسي إلى دموي، وتحولت السنبلة في مخيلته إلى قنبلة وتغيرت دواة الحبر إلى خطة حرب وتبدلت قيم الرحمة والمودة والتسامح في نفسه إلى كراهية واستعلاء وغطرسة.
وتنوعت تفسيرات الانقلاب العجيب في حياة سيد قطب حيث ربط البعض بينه وبين رحلته إلى الولايات المتحدة سنة 1949 وأرجع هؤلاء التغير المفاجئ في شخصيته إلى ما شهده من صدمة حضارية حادة، لكنّ آخرين رأوا أن التحول سببه تجاهل استوزاره أو تكريمه من قبل الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر ورفاقه عقب ثورة يوليو 1952، بعد أن ساندهم ووقف إلى جوارهم في مواجهة الأحزاب السياسية القائمة في ذلك الوقت.
وتحدث آخرون على أن التحول كان نتيجة تورطه غير المحسوب في العمل التنظيمي داخل جماعة الإخوان المسلمين وما استتبعه من نصرة التنظيم بأي طريقة وفكر .
ولكن أحدًا لم يُشر إلى المرأة، فرغم مقولة نابليون بونابرت الشهيرة “فتش عن المرأة”، إلا أنّ أحدا من الباحثين الذين تناولوا سيرة سيد قطب بالبحث والدراسة والتحليل لم يشك لحظة أن امرأة مجهولة فاتنة لعبت دورا مؤثرا في تبدل شخصية قطب، وهذه المرأة التي أحبها الرجل بجنون تركت جُرحا غائرا في ذاته عانى منه أشد المعاناة، كان كفيلا بإبحاره ناحية التطرف وكراهية الحياة.
التناقض ..
يبدو سيد قطب الإسلامي المتطرف مختلفا عن سيد قطب الأديب، إذ نجده في قصة "أشواك" يصف لحظة تقبيله لمحبوبته بعفوية غريبة إذ يقول “أخذ جسدها يرتجف، وعيناها مغرورقتان بالدموع، وفي وجهها براءة عذبة، ثم لا يدري كيف نسي كل شيء، فإذا شفتاه تهويان على شفتيها، فتستجيب له بكل ما فيها من نهم، ثم يستمعان إلى وقع أقدام فينتبهان..”.
ولا نتوقع للحظة أن يصطحب مُنظر الإرهاب الديني فتاته إلى السينما لمشاهدة فيلم ما، إذ يصف ذلك بكلمات صريحة، “ثم أطفئت الأنوار، وتحركت ذراعه قليلا، فسرت في جسده هزة، ومالت إليه قليلا، فصافح شعرها خده، وأحس بالنشوة فثمل، .. الخ ”.
ويكتب أيضا في حكايته عن احتضانه لخطيبته خلال زيارته لها، فيقول “ولم يكن يملك إلا أن يضمها بعنف،… ….. … و.عاد فجلس ولم يلحظ أحد منهم عليه شيئا”.
ورغم ركاكة الوصف، رسم صورة جذابة لمحبوبته عندما يكتب “لم تكن ممن يحسبهن العرف جميلات. كان تكوينها الجسدي، إذا استثنينا صدرها الفاتن، ليس ممتازا، ولكن كان في وجهها جاذبية ساحرة. كانت خمرية اللون، واضحة الجبين، وفي عينيها وهج غريب تطل منه إشراقة مسحورة، وكان هذا الوهج أشبه بالإشعاع الكهربائي المغناطيسي”.
وإذا كان المفكر الراحل محمد حافظ دياب، يرى أن قصص سيد قطب مليئة بالحشو والاستطراد والتدخل في الأحداث وصياغة العناوين المباشرة، فإن ذلك لا يمنع أن تكون القصة واقعية، لأنها تمثل محطة تحول واضحة في مؤلفاته التي تبلغ 24 كتابا.
فرواية “أشواك” هي الكتاب السابع في مؤلفات قطب، من حيث الترتيب الزمني بعد كُتب اتسمت جميعا بالإبداع الأدبي، بدءا من ديوان شعر “الشاطئ المجهول” الذي أصدره سنة 1935، مرورا بكتاب سيرته “طفل من القرية”، ثم قصة “المدينة المسحورة”، وحتى كتابه النقدي “كتب وشخصيات” الصادر سنة 1946.
وتجنبت كتب قطب التالية لـ”أشواك” الإبداع الأدبي، سواء السردي أو الشعري، وانخرطت في الشأن الديني لتنزع نحو التعصب والتطرف تدريجيا، فنجده يُصدر كتابه “العدالة الاجتماعية في الإسلام” سنة 1949، ثم كتاب “معركة الإسلام والرأسمالية” سنة 1951، حتى يمتد به الأمر إلى إصدار “في ظلال القرآن” نهاية الخمسينات، ثم يأتي كتاباه “هذا الدين” و”المستقبل لهذا الدين” قبل أن يصدر كتاب “معالم في الطريق” عام 1964 والذي يطرح فيه فكره التكفيري بصراحة وعمق وتفصيل.
تكفير الجميع ..
سيد قطب الشاعر الرومانسي الخجول المنتشي بالقبلة، والملتاع بالحب والمحترق بالأشواق انقلب إلى حامل راية إرهاب وتحريض، بعد أن غادرته المرأة التي عشقها. ومن تطرف إلى تطرف وصل بسيد قطب الحال أن كتب “إن الناس ليسوا مسلمين كما يدّعون. ، إنهم يحيون حياة الجاهلية. ليس هذا إسلاما وليس هؤلاء مسلمين، والدعوة اليوم إنما تقوم لرد هؤلاء الجاهليين إلى الإسلام، ولتجعل منهم مسلمين من جديد”.
وكتب أيضا “إن القوى الإنسانية نوعان، قوة مهتدية، تؤمن بالله وتتبع منهجه وهذه يجب أن نؤازرها ونتعاون معها على الخير والحق والصلاح .. وقوة ضالة لا تتصل بالله ولا تتبع منهجه ، وهذه يجب أن نحاربها ونكافحها ونغير عليها”.
مات قطب وبقيت أشواكه…!!
مقال قديم نُشر في صحيفة العرب
الأحد 2020/08/30
من أوائل منظري فكر السلفية الجهادية منذ ستينات القرن الماضي، حيث قاد العمل الدعوي والتنظيمي من داخل مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين.
وهو حتى يومنا هذا سندا أساسيا للتكفيريين ودعاة الخروج على الحاكم، من خلال أفكاره ورؤاه وقراءاته التي اعتبرت متزمتة للشريعة والحياة والنظام، بل إنه لم يتوان عن تكفير الجميع بسبب نزعته التخريبية. لكن ما سر المرأة في حياة قطب، خاصة تلك التي دفعته إلى التحول من كاتب وروائي إلى زعيم تكفيري.
هذا الرجل المتشدد كان كاتبا متعدد الإسهامات وشاعرا وروائيا وناقدا ومحللا قبل أن يكون كاتب تكفير من الطراز الأول ما جعل نهايته درامية بشكل مستغرب.
في التاسع والعشرين من أغسطس سنة 1966 نفذ حكم الإعدام شنقا بحق قطب بتهمة قيادة تنظيم انقلابي إسلامي يتبنى العنف منهجا للتغيير ويجلب السلاح ويخطط للقتل والخراب. من يومها اكتسب قطب أهمية لدى الجماعات الراديكالية، فهو المُنظّر الأول للتكفير والمحرض على الآخر والرافض للحضارة والتمدن ، شديد العداء لأصحاب الأديان الأخرى ( وغير مكترث بالمرأة ) ، ويعيش في وهم المؤامرة الكونية الدائمة ضد الإسلام.
لم تكن بدايات سيد قطب توحي بالنهايات، حيث انقلب من شاعر إلى “ثائر”، ومن كاتب إلى محرض، ومن رومانسي إلى دموي، وتحولت السنبلة في مخيلته إلى قنبلة وتغيرت دواة الحبر إلى خطة حرب وتبدلت قيم الرحمة والمودة والتسامح في نفسه إلى كراهية واستعلاء وغطرسة.
وتنوعت تفسيرات الانقلاب العجيب في حياة سيد قطب حيث ربط البعض بينه وبين رحلته إلى الولايات المتحدة سنة 1949 وأرجع هؤلاء التغير المفاجئ في شخصيته إلى ما شهده من صدمة حضارية حادة، لكنّ آخرين رأوا أن التحول سببه تجاهل استوزاره أو تكريمه من قبل الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر ورفاقه عقب ثورة يوليو 1952، بعد أن ساندهم ووقف إلى جوارهم في مواجهة الأحزاب السياسية القائمة في ذلك الوقت.
وتحدث آخرون على أن التحول كان نتيجة تورطه غير المحسوب في العمل التنظيمي داخل جماعة الإخوان المسلمين وما استتبعه من نصرة التنظيم بأي طريقة وفكر .
ولكن أحدًا لم يُشر إلى المرأة، فرغم مقولة نابليون بونابرت الشهيرة “فتش عن المرأة”، إلا أنّ أحدا من الباحثين الذين تناولوا سيرة سيد قطب بالبحث والدراسة والتحليل لم يشك لحظة أن امرأة مجهولة فاتنة لعبت دورا مؤثرا في تبدل شخصية قطب، وهذه المرأة التي أحبها الرجل بجنون تركت جُرحا غائرا في ذاته عانى منه أشد المعاناة، كان كفيلا بإبحاره ناحية التطرف وكراهية الحياة.
التناقض ..
يبدو سيد قطب الإسلامي المتطرف مختلفا عن سيد قطب الأديب، إذ نجده في قصة "أشواك" يصف لحظة تقبيله لمحبوبته بعفوية غريبة إذ يقول “أخذ جسدها يرتجف، وعيناها مغرورقتان بالدموع، وفي وجهها براءة عذبة، ثم لا يدري كيف نسي كل شيء، فإذا شفتاه تهويان على شفتيها، فتستجيب له بكل ما فيها من نهم، ثم يستمعان إلى وقع أقدام فينتبهان..”.
ولا نتوقع للحظة أن يصطحب مُنظر الإرهاب الديني فتاته إلى السينما لمشاهدة فيلم ما، إذ يصف ذلك بكلمات صريحة، “ثم أطفئت الأنوار، وتحركت ذراعه قليلا، فسرت في جسده هزة، ومالت إليه قليلا، فصافح شعرها خده، وأحس بالنشوة فثمل، .. الخ ”.
ويكتب أيضا في حكايته عن احتضانه لخطيبته خلال زيارته لها، فيقول “ولم يكن يملك إلا أن يضمها بعنف،… ….. … و.عاد فجلس ولم يلحظ أحد منهم عليه شيئا”.
ورغم ركاكة الوصف، رسم صورة جذابة لمحبوبته عندما يكتب “لم تكن ممن يحسبهن العرف جميلات. كان تكوينها الجسدي، إذا استثنينا صدرها الفاتن، ليس ممتازا، ولكن كان في وجهها جاذبية ساحرة. كانت خمرية اللون، واضحة الجبين، وفي عينيها وهج غريب تطل منه إشراقة مسحورة، وكان هذا الوهج أشبه بالإشعاع الكهربائي المغناطيسي”.
وإذا كان المفكر الراحل محمد حافظ دياب، يرى أن قصص سيد قطب مليئة بالحشو والاستطراد والتدخل في الأحداث وصياغة العناوين المباشرة، فإن ذلك لا يمنع أن تكون القصة واقعية، لأنها تمثل محطة تحول واضحة في مؤلفاته التي تبلغ 24 كتابا.
فرواية “أشواك” هي الكتاب السابع في مؤلفات قطب، من حيث الترتيب الزمني بعد كُتب اتسمت جميعا بالإبداع الأدبي، بدءا من ديوان شعر “الشاطئ المجهول” الذي أصدره سنة 1935، مرورا بكتاب سيرته “طفل من القرية”، ثم قصة “المدينة المسحورة”، وحتى كتابه النقدي “كتب وشخصيات” الصادر سنة 1946.
وتجنبت كتب قطب التالية لـ”أشواك” الإبداع الأدبي، سواء السردي أو الشعري، وانخرطت في الشأن الديني لتنزع نحو التعصب والتطرف تدريجيا، فنجده يُصدر كتابه “العدالة الاجتماعية في الإسلام” سنة 1949، ثم كتاب “معركة الإسلام والرأسمالية” سنة 1951، حتى يمتد به الأمر إلى إصدار “في ظلال القرآن” نهاية الخمسينات، ثم يأتي كتاباه “هذا الدين” و”المستقبل لهذا الدين” قبل أن يصدر كتاب “معالم في الطريق” عام 1964 والذي يطرح فيه فكره التكفيري بصراحة وعمق وتفصيل.
تكفير الجميع ..
سيد قطب الشاعر الرومانسي الخجول المنتشي بالقبلة، والملتاع بالحب والمحترق بالأشواق انقلب إلى حامل راية إرهاب وتحريض، بعد أن غادرته المرأة التي عشقها. ومن تطرف إلى تطرف وصل بسيد قطب الحال أن كتب “إن الناس ليسوا مسلمين كما يدّعون. ، إنهم يحيون حياة الجاهلية. ليس هذا إسلاما وليس هؤلاء مسلمين، والدعوة اليوم إنما تقوم لرد هؤلاء الجاهليين إلى الإسلام، ولتجعل منهم مسلمين من جديد”.
وكتب أيضا “إن القوى الإنسانية نوعان، قوة مهتدية، تؤمن بالله وتتبع منهجه وهذه يجب أن نؤازرها ونتعاون معها على الخير والحق والصلاح .. وقوة ضالة لا تتصل بالله ولا تتبع منهجه ، وهذه يجب أن نحاربها ونكافحها ونغير عليها”.
مات قطب وبقيت أشواكه…!!
مقال قديم نُشر في صحيفة العرب
الأحد 2020/08/30