• ×
الجمعة 22 نوفمبر 2024 | 11-21-2024

شواهد الأحاديث .. "الغبانة" ليست لباس أهل السنة ..

شواهد الأحاديث .. "الغبانة" ليست لباس أهل السنة ..
0
0
 ..
كتبت / سماء الشريف :
—————



في كثير من الأحيان تجهل بعض المجتمعات بموروثها الحقيقي وهويتها الأصلية فتذوب مع الأعوام وتنشأ الأجيال في منأى عن تراثها مما يتسبب في ضياع التاريخ والجهل به ولكن الأمر مختلف عن مجتمعنا في المملكة العربية السعودية ، ذلك كوننا مجتمع قبلي " بدو وحاضرة " وإن كان متحضراً يعيش في عصر التكنولوجيا ، لكن حرص مجتمع الأجداد جعل الأبناء والأحفاد على صلة وثيقة واعتزاز كبير بكل موروث ، فقد جعلها تسير جنباً إلى جنب مع عجلة التطور ، مما عزز عند الجميع الانتماء والوعي ،
ومن جانب آخر عززت قيادتنا الرشيدة الاهتمام بالموروث وعلى مرّ التاريخ شواهد كثيرة في الحفاظ على كافة أنواع التراث ، أوضح مدى الحرص على تأكيده وتأصيله بصورة مستمرة .

اهتمامٌ نراه من حولنا يعيشه الجميع في هذا الوطن ، قبائل يجمعها الوطن السعودية في هوية واحدة ،
والمملكة لكونها أرض الحرمين فقد استوطنها الكثيرون من كل أنحاء العالم قدِموا للحج واستوطنوا أو التجارة منذ الزمن القديم فسكنوا وأقاموا عقوداً طويلة ويحمل بعضهم الجنسية السعودية ولافرق ولاتمييز لأحد على أحد .

أُثير مؤخرًا موضوع الغبانة وهي عمّة يرتديها البعض في بعض المدن ولا حجر ولا حرج في ذلك فالحرية متاحة لكل مواطن يعيش على هذه الأرض الطيبة له حقوق وعليه واجبات لكن الأمر الغريب هو إصرار البعض على أن تكون هي الأصل في ثياب أهل الحجاز قديمًا !!
ولأنني ذكرت سابقًا حرص القبائل على معرفة موروثهم معرفة وثيقة وتوعية الأجيال به وتوارثه فقد ظهر الجدل والرد على مواقع التواصل وهي بمثابة حديث الشارع الدي يتناقله الجميع ويناقشونه ..
الإصرار على إلصاق الغبانة بالموروث السعودي والترويج لها بات ظاهرًا جلياً وكأن هناك شيء ما يتعمد إثارة الفتنة وبث الفرقة والطائفية متناسيًا أن إثارتها مخالف لأمر منصوص عليه في مواد الحكم الأساسية التي لايحق لأحد مخالفة نظامها ولكن البعض متناسيًا ذلك أو متعمدًا يقوم بها لبث الفرقة والمساس بالموروث والإمعان في وصف كل من يرفض بالعنصرية ، ليتسع الخلاف ويكثر النزاع والتنازع !

كل المجتمعات تختلط وتذوب في بعضها لكن يظل الموروث بكل مناحيه ثابتًا لايتم السماح بالتحريف فيه ، ارتد ماشئت ابن بيتك كماتريد لكن لايحق لأحد أن يغير موروث وتاريخ معروف ويزيِّ الحقائق المعروفة عند الجميع بل ووثقتها صور الرحّالة الذين زاروا البلاد قديمًا وتعرّفوا على أهلها عن قُرب وكتبوا مؤلفات في ذلك .

ويظل السؤال : هل الأمر في قطعة القماش التي يراد بها خلق فجوة في المجتمع ؟!
لا أعتقد لأن التاريخ هو من يجيب والقبائل هي المرجع في الأمر وقيادة الدولة النظام وهم من القبائل العريقة والحريصة على الموروث الحقيقي وتأصيله في كل مناسبة وحرصها على إنشاء هيئة لحفظ التراث والزي السعودي جزء لايتجزأ منه وفي ذلك ماير على كل ادعاء .

هناك من قال أن النبي عليه السلام يلبس "الغبانة" وهذا أمر غير صحيح ونصوص الرواة والمشائخ أثبتت عدم صحة لذلك

وتوضيح ذلك موجود بأسانيده في الكتب والمراجع ونُشر بعضه على موقع يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد : الإسلام سؤال وجواب ، كتب بتاريخ ٢٠٢٠/١/٢٧ :

عمامة النبي صل الله عليه وسلم لم يَرد أنها كانت مزخرفة، وإنما من لون واحد، وكانت على عادة العرب تُجعل تحت الحنك، وورد أن لها ذؤابة، والقلنسوة كانت تحت العمامة، ولم يرد أنها كانت مرتفعة والعمامة حولها

الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كان يلبس العمامة؛ والأدلة على هذا كثيرة.
كحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ:*" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ "رواه مسلم (1358).
وعن جَعْفَر بْن عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قَدْ أَرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ" رواه مسلم (1359).
وكحديث عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَمَّ ؛ سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ" .
قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْدِلُ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَرَأَيْتُ القَاسِمَ، وَسَالِمًا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ.
رواه الترمذي (1736)، وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ".
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتكلف هيئة ، أو لونا معيّنا؛ بل يلبس ما وجده عنده ، مما يلبسه قومه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وأما الأكل واللباس: فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم...
وكذلك اللباس كان يلبس القميص والعمامة، ويلبس الإزار والرداء ويلبس الجبة والفروج، وكان يلبس من القطن والصوف وغير ذلك...
فسنته في ذلك تقتضي: أن يَلبس الرجلُ ويَطْعم : مما يسره الله ببلده، من الطعام واللباس. " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 / 310 - 311).
والعرب الذين كان يلبس النبي صلى الله عليه وسلم لبسهم إلا ما نهي عنه؛ كانت عادتهم أن يُمِرُّوا طرف العمامة تحت الحنك؛ لحاجتهم إلى تثبيتها؛ خاصة في الحروب ونحوها.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقال الميموني: رأيت أبا عبد الله – أي الإمام أحمد - عمامته تحت ذقنه، ويكره غير ذلك، وقال: العرب عمائمها تحت أذقانها " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1 / 276).
وجاء في "مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود "(ص 351):
" سمعت أحمد عن التعمم تحت الحنك؟ قال: ما نعرف العمامة إلا تحت الحنك "

وتلبس العمامة بقلنسوة وبدونها ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " كانت له عمامة تسمى: "السحاب" *كساها عليا، وكان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة. وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة، ويلبس العمامة بغير قلنسوة " انتهى، من*"زاد المعاد" (1 / 130).
و الْقَلَنْسُوَةُ؛ هي الطَّاقِيَّةُ.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (30 / 301):
" الْقَلَنْسُوَةُ: لغة من ملابس الرؤوس وتجمع على قَلاَنِسَ.
واصطلاحا: ما يلبس على الرأس ويُتعمم فوقه، أو هي الطَّاقِيَّةُ "

والظاهر أن هذه القلنسوة كانت لاطئة وليست بعالية؛ لأن القلنسوة العالية إنما حدثت بعد ذلك .
قال السيوطي رحمه الله تعالى:
" ... دل مجموع ما ذكر على أن الذي كان يلبسه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة تحت العمامة : هو القلنسوة...
وفي "السداسيات" أيضا من طريق أم نهار قالت: كان أنس بن مالك يمر بنا كل جمعة *وعليه قلنسوة لاطئة - ومعنى لاطئة - أي لاصقة بالرأس ، إشارة إلى قصرها.
وإنما حدثت القلانس الطوال في أيام الخليفة المنصور، في سنة ثلاث وخمسين ومائة أو نحوها، وفي ذلك يقول الشاعر:
وكنا نرجي من إمام زيادة ... فزاد الإمام المصطفى في القلانس " انتهى من*"الحاوي للفتاوى" (1 / 73).

وأما مسك العمامة بعصابة شبه العقال؛ فإنما هو شيء حادث بعد عهد السلف الصالح،*لما ترك الناس تثبيت العمامة تحت الحنك؛ فاحتاجوا إلى شيء يثبتها فاستعملوا العصائب وأدوات خاصة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والسلف كانوا يحنكون عمائمهم لأنهم كانوا يركبون الخيل ويجاهدون في سبيل الله؛ فإن لم يربطوا العمائم بالتحنيك، وإلا سقطت ، ولم يمكن معها طرد الخيل؛ ولهذا ذكر أحمد عن أهل الشام: أنهم كانوا يحافظون على هذه السنة لأجل أنهم كانوا في زمنه هم المجاهدون.
وذكر إسحاق بن راهويه بإسناده: أن أولاد المهاجرين والأنصار كانوا يلبسون العمائم بلا تحنيك؛ وهذا لأنهم كانوا في الحجاز في زمن التابعين لا يجاهدون.
ورخص إسحاق وغيره في لبسها بلا تحنيك، والجند المقاتلة لما احتاجوا إلى ربط عمائمهم ، صاروا يربطونها: إما بكلاليب؛ وإما بعصابة ونحو ذلك " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 187).
وقال رحمه الله تعالى:
" وكره مالك وأحمد لبس العمامة المقطعة التي ليس تحت الحنك منها شيء...
لكن رخص فيها إسحق وغيره، وروى أن أبناء المهاجرين كانوا يتعممون كذلك، وقد يجمع بينهما بأن هذا حال المجاهدين والمستعدين له، وهذا حال من ليس من أهل الجهاد، وإمساكها بالسيور يشبه التحنيك " انتهى*من "مختصر الفتاوى" (ص 28 - 29).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" ولم تكن عمامته بالكبيرة التي يؤذي الرأس حملها، ويضعفه ويجعله عرضة للضعف والآفات، كما يشاهد من حال أصحابها، ولا بالصغيرة التي تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد، بل وسطا بين ذلك، وكان يدخلها تحت حنكه، وفي ذلك فوائد عديدة: فإنها تقي العنق الحر والبرد، وهو أثبت لها، ولا سيما عند ركوب الخيل والإبل، والكر والفر، وكثير من الناس اتخذ الكلاليب عوضا عن الحنك، ويابعد ما بينهما في النفع والزينة " انتهى من "زاد المعاد" (4 / 218).

فالحاصل؛ أن عمامة النبي صلى الله عليه وسلم لا تشبه ما يسمى بـ "الغبانة"؛ فعمامة النبي صلى الله عليه وسلم لم يَرد أنها كانت مزخرفة، وإنما من لون واحد، وكانت على عادة العرب تُجعل تحت الحنك، وورد أن لها ذؤابة، والقلنسوة كانت تحت العمامة، ولم يرد أنها كانت مرتفعة والعمامة حولها.
ومن قال: إن "الغبانة" على هيئة عمامة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلعل شبهته في هذا؛ ترجع إلى أحد أمرين:
الأمر الأول: اعتماده على العمامة ((المنسوبة)) إلى النبي صل الله عليه وسلم، والمعروضة في أحد متاحف تركيا مع مجموعة من الآثار منسوبة إلى النبي صل الله عليه وسلم.
وهذه الآثار لا تصح نسبتها إلى النبي صل الله عليه وسلم؛ فمبدأ ظهورها في العصر العثماني؛ ولم يتطرق إلى الكلام عنها أهل العلم السابقين إلا ما تناولته بعض الكتابات التركية.
قال أحمد تيمور باشا:
" وليس في التواريخ العربية التي بأيدينا ذكر لهذه الآثار ، ولا إشارة إليها " .. من "الآثار النبوية" (ص 74).

ومن القرائن القوية على عدم صحة نسبة هذه العمامة؛ أن أهل العلم لم يعلموا مقدار طول عمامة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلو أن هذه العمامة صحيحة لاطلعوا على مقدارها؛ حتى إن السيوطي رحمه الله تعالى رغم سعة اطلاعه، لا يظهر أنه اطلع عليها؛ حيث قال:
" وأما مقدار العمامة الشريفة : فلم يثبت في حديث " .. من "الحاوي للفتاوى" (1 / 73).
ولو كانت صحيحة النسبة لاعتمدها أهل العلم في وصف عمامته صلى الله عليه وسلم.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم من ثياب أو شعر أو فضلات قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين " .. من "التوسل" (ص 144).
الأمر الثاني:
لعل تكوير العمامة حول قلنسوة مرتفعة ، كما في "الغبانة" ، عمله بعض الناس تشبها بصفة العمامة التي دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة عام الفتح ، على بعض تفاسير أهل العلم؛ حيث جمعوا بين حديث دخول النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة كما في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ " رواه مسلم (1358).
وبين حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ " رواه البخاري (1846)، ومسلم (1357).

قال الحافظ ابن حجر:
" وقال – بعض أهل العلم - : *يجمع بأن العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر... " .. من*"فتح الباري" (4 / 61 - 62).
فلعل بعضهم تشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، في جعل مكان الحديد الذي يقي الرأس في الحرب ، قلنسوة مرتفعة شبيهة بذلك ، ولف حولها العمامة.
ثانيا:

وأعود بعد كل ذلك حيث نفس السؤال الذي تمخّض عنه أسئلة أخرى :
-هل المسألة قطعة قماش أم لحمة وطن أم جزء من وطن يُراد سرقته ؟!
-ما الهدف الحقيقي وراء الأمر ؟!
-وهل هناك أجندة ضد الوطن ؟!
-ومن ورائها ؟!
فإن لم يكن .. ينبغي أن تُخمد الفتنة أمام الحقائق والتاريخ الموّثق .


-وانتظروا لاحقاً سنكتب عن المزمار