• ×
الجمعة 22 نوفمبر 2024 | 11-21-2024

العدو اللدود لأمريكا .. دولة معزولة عن العالم

العدو اللدود لأمريكا .. دولة معزولة عن العالم
0
0
الآن - أماني عبدالله —
دولة تعيش في ستينيات القرن الماضي عاشت ثورة ولا زالت داخلها بلد السيجار والانتفاضات العدو اللدود للولايات المتحدة ، وصاحبة أكبر نصيب من عقوباتها يمنع فيها بيع الكوكولا وتصنع فيها أفخر أنواع السيجارة تصدر الأطباء لكل العالم وتفتخر بأكبر نسبة من المتعلمين بلد فيدال كاسترو ، وحب جيفارا مهد أنماط الرقص الكلاسيكي ، ودولة الأسماك النادرة في الكاريبي إنها (كوبا )الجزيرة الساحرة ، التي اكتشفها كريستوفر كولومبوس مثلها مثل بقية دول أمريكا اللاتينية ، وصل إليها في ١٢ من أكتوبر عام ١٤٩٢ وطالب بانضمامها للمملكة الإسبانية لتخضع تحت الاستعمار الاسباني لسنوات طويلة .

يختلف المؤرخون على سبب تسميتها فيقول البعض إن اسم كوبا من لغة باينوا وتعني الأرض الخصبة ووفيرة الحصاد فيما يقول البعض إن كولومبس هو من أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى بلدة كوبا البرتغالية .
image

استمرت تحت حكم الإسبان رغم حركات التمرد المطالبة بالاستقلال في القارة ، وذلك في عشرينيات القرن التاسع عشر لكن كوبا أكدت ولائها للإسبان وسبب هذا الولاء هو اعتماد المستوطنين الكوبين على اسبانيا في التجارة والحماية من القراصنة والحماية من ثورات العبيد التي تزايدت في تلك الفترة وأيضا لخوفهم من تزايد نفوذ الولايات المتحدة ، وهو التنين الذي صعد في ذات الفترة ولكن ومع مرور السنين ارتفعت الأصوات المنادية بالاستقلال عن إسبانيا ، وذلك كله بدعم أمريكي حيث امتنعت الولايات المتحدة عن الاعتراف بالحكومات التي وضعتها اسبانيا ، وشهدت البلاد عدت حركات تمرد عنيفة جاء آخرها وأعنفها عام ١٨٩٥ عندما أسس خورسيه ما رتيه من منفاه في نيورك (الحزب الثوري الكوبي ) ليعلن انطلاق الثورة للحصول على الاستقلال .

جمع ما رتيه جيشا من المتطوعين لقتال اسبانيا التي فاق عدد الجنود في كوبا ٢٠٠ ألف وقدمت أمريكا دعما سخيا لحزبه مما ساعد على اندلاع حرب طاحنة فشل فيها الحزب الثوري ودفع المدنيون فاتورة تلك الحرب وحدهم ، حيث لقي أكثر من ٢٠٠ ألف حتفهم بسبب الجوع والمرض الموجود في المخيمات واستمر الوضع على ما هو عليه حتى تدخلت الولايات المتحدة بشكل علني في الخامس من أبريل عام ١٨٩٨ لتدعم ثوار كوبا على الأرض مما أدى لتغيير موازين القوة وفشل الإسبان في حماية مواقعهم لتنجح الولايات المتحدة في النهاية لهزيمة الإسبان .
image

وعقب ذالك بعام وقعت الاتفاقية الأمريكية الإسبانية والتي نصت في أحد بنودها على انسحاب الإسبان من كوبا واعتبارها أراضي تخضع للانتداب الأمريكي ، لتتحول كوبا من السيادة الإسبانية إلى الأمريكية دون أن تحصل على استقلالها ،
وأستمر الوضع على ما هو عليه حتى انتخاب الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت عام ١٩٠١ الذي ألغى المعاهدات ، وأعلن عن منح كوبا الاستقلال .

حصلت كوبا على استقلالها في العشرين من يوليو عام ١٩٠٢ تحت مسمى جمهورية كوبا ووضع دستور جديد للبلاد يحق فيه للولايات المتحدة التدخل في شئونها والإشراف على الشئون المالية وعلاقتها الخارجية ، ومن ثم استأجرت الولايات المتحدة خليج قاعة جوانتانامو البحرية في كوبا التي لاتزال تحت سلطتها حتى اليوم .
image

وعقب الاستقلال دخلت كوبا مرحلة جديده في تاريخها لم تخل من التدخلات الأمريكية الكبيرة في شئونها ما صعب إمكانية نهضة البلاد وتطويرها في ظل حكومات تدين بالولاء للولايات المتحدة الأمريكية وليس للبلاد ، حتى أتت أربعينيات القرن الماضي لتحمل معها الانفراج عن كوبا ، وعقب الاستقلال شهدت كوبا اضطرابات سياسية عدّه لم تعش الاستقرار حتى عام ١٩٤٠ حين انتخب الرئيس فولجنسيو باتيستا رئيسا ديموقراطيا للبلاد ، ونجحت إدارته بتنفيذ إصلاحات كبيرة كما مكّن الحزب الشيوعي من الوصول لمناصب عليا في الدولة ، وخلال الحرب العالمية الثانية انضمت إدارته لصفوف الحلفاء رغم عدم مشاركتها الكبرى في القتال ، ورحل باتيستا عن الرئاسة عام ١٩٤٤ ، وبشكل ديمقراطي ممرً ايساني بعده ، حتى حلول عام ١٩٥٢ حيث قرر العودة للسلطة من جديد ، لكن بعد دخوله الانتخابات اتضح انخفاض شعبيته وصعود منافسين بارزين ، وباعتباره قيادي سابق في الجيش نفّذ انقلابا على السلطة مدعوما من القوميين في الجيش وعيّن نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد
لمدة عامين ومن ثم تم انتخابه لدورة رئاسية وسط اتهامات بتزوير الانتخابات .
image

من جانب آخر سيطر باتيستا على مفاصل الدولة بالكامل وحوّلها إلى سلطة الرجل الواحد ومعها زاد القمع والاعتقالات بصفوف معارضيه مما أجبر الكثيرين إلى الهجرة من كوبا ، وفي ذات الفترة شهد الاقتصاد مشاكل كثيره مما رفع من عدد البطالة بشكل كبير وتحول باتيستا من رئيس يحكم البلاد إلى دكتاتور مما ساعد في اندلاع الثورة ضده بقيادة الشيوعيين في الثاني من ديسمبر عام ١٩٥٦

حط فيدل كاسترو مع مجموعة من اثنين وثمانين مقاتلا على الشواطئ الكوبية وكان معه صديقه تشي جيفارا وذالك بهدف إنشاء حركة مقاومة مسلحة تمركزت في سلسلة جبال سييرا ، وتزامن مع وصول كاسترو وأصدقائه حدوث حظر للأسلحة فرضته الولايات المتحدة على كوبا ، مما أضعف من نظام باتيستا وساعد حركة المقاومة على التمدد أكثر بالإضافة للغضب الشعبي ضد النظام الحاكم مما أكسب الحركة شعبية كبيرة في البلاد استمرت حرب شوارع لمدة عامين ، ومع أواخر عام ١٩٥٨ سيطر مقاتلو كاسترو على عدة مناطق ، وفرّ باتيستا من كوبا إلى البرتغال ، ودخل الجيش مفاوضات مع قادة المتمردين لتنجح قوات كاسترو بالدخول للعاصمة هافانا في الثامن من يناير عام ١٩٥٩، وبعد تغيرات سياسية عدة عُيّن أوز فالدو دورتيكوس رئيسا للبلاد وكاسترو رئيسا للوزراء ورغم وصوله للسلطة باسم الثورة لكن الحياه السياسية لم تشهد تغييرا جذريا عن السابق فمع حلول عام ١٩٦٠ أغلقت جميع الصحف المعارضة وباتت محطات الإذاعة والتلفزيون تحت سيطرة الدولة بالكامل وسجن أكثر من عشرين ألف من المعارضين سنويا وتشير التقديرات إلى إعدام أكثر من سبعة عشر ألف شخص في ذات الفترة ، وتم تعزيز حكم الحزب الواحد وهو الحزب الشيوعي والذي بات بقيادة كاسترو أيضا .
image

وحين اشترت الحكومة السلاح من الاتحاد السوفيتي تحولت إلى عضو مهم في معسكر السوفييت مما زاد من قلق الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تعيش حربا بارده مع السوفييت ، وبحلول عام ١٩٦١ تم إسقاط الحكومة الشرعية لكنها فشلت فشلا ذريعا وتدهورت العلاقات الأمريكية الكوبية أكثر مع أزمة الصواريخ الكوبية اللتي نشرها الاتحاد السوفيتي في كوبا ليعجل في عزل كوبا وفرض العقوبات عليها ، وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض العقوبات على كوبا عام ١٩٦٠ ومن ثم ارتفعت بعد أزمة الصواريخ لتصل إلى حصار اقتصادي وتجاري ومالي عليها ، ومازالت تستمر بتجديدها سنويا ، وعلى الرغم من انتهاء الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي استمرت الولايات المتحدة الأمريكية بعزل كوبا اقتصاديا وسياسيا رغم توقيع اتفاق بين البلدين عام ١٩٩٤ وأكد جميع رؤساء الولايات المتحدة ضرورة تشديد العقوبات دائما حتى عقب رحيل فيدل كاسترو عن السلطة عام ٢٠٠٨ ووصول أخيه راؤول كاسترو للرئاسة الذي دعا مرارا إلى تطبيع العلاقات بين هافانا وواشنطن ، وفي عام ١٩٥٦ كان هناك ١٤٣الف سيارة على الطرق الكوبية ٩٥ منها في العاصمة هافانا وحدها حتى عام ١٩٥٩ تم استيراد السيارات وقطع الغيار في كوبا من الولايات المتحدة ثم حدث تحول جذري في كوبا بعد الثورة الكوبية عام ١٩٥٩ حيث أصبح الشركاء السابقون أعداء وتركت السيارات الكوبية الكلاسيكية عالقة على جانب واحد من مضيق فلوريدا بينما واصلت المصانع عملها على الجانب الآخر ، ومن ثم منعت الحكومة الاستيراد من أنريكا بشكل كلي وصادرت جميع السيارات التي تم تصنيعها عقب عام ١٩٥٩ ، ومع الحصار الكلي المفروض عليها لم تتمكن كوبا من استيراد سيارات جديدة وحديثة إليها لتتحول إلى بلد السيارات القديمة حتى اليوم .

تعتبر زراعة التبغ تقليدا كوبيا عريقا متوارثا جيلا بعد جيل كما أنها جزء أساسي من الثقافة الكوبية ويعتبر اليوم من أفخر أنواع السيجار في العالم ، ويذكر أن الرئيس الأمريكي كيندي قام بشراء ١٢٠٠ سيجار
قبل ساعات من فرض حظر التجارة مع كوبا ، وارتفعت مؤخرا مبيعات السيجار الكوبي على الرغم من المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد ، كما تستضيف العاصمة هافانا مهرجان يعرض خلاله مصنع السيجار نهجهم في التعامل مع هذه التحديات الصعبة منذ ستينيات القرن الماضي ، واستثمرت كوبا في التعليم خصوصا في المجال الصحي وبات تصدير الأطباء يمثل دعامة مهمة لدعم اقتصادها ودبلوماسيتها ، فمن خلال تصديرها للأطباء عكست كوبا أنها ليست جزيرة معزولة وأظهرت طواقمها الطبية كفاءتها العالية
image

وقدمت كوبا خدمات كبيره في المناطق المنكوبة بمختلف أنحاء العالم وعلى الجانب الاقتصادي للبلد يعد الأطباء أهم صادرات كوبا للعالم ، وتجني من خلالها أرباحا تفوق ١١مليار دولار سنويا ، وفي فنزولا وحدها يعمل ١٠ آلاف طبيبا كوبي مقابل حصول كوبا على ١٠٠ ألف برميل يوميا بأسعار مخفضة عن الأسعار الطبيعة ، ومنذ وصول "اوباما" للرئاسة شهدت العلاقات الكوبية الأمريكية انفراجة صغيرة وجاء وصول ميغيل دياز لرئاسة البلاد عام ٢٠١٨ ليحدث بعض الانفتاح للدولة المعزولة
لتتحول اليوم دولة تجمع بين الماضي والحاضر من خلال مبانيها وسياراتها وكل شيء وعادت العلاقات مع أمريكا للتدهور لتستمر العقوبات المفروضة عليها حتى اليوم وبين شيوعية نظامها وعقوبات أمريكا يعيش الشعب الكوبي نمط حياة مختلفة عن كل العالم .

فهل كان الشعب الكوبي ضحية نظام كاسترو ؟
أم أن العقوبات الأمريكية هي من منعت التطور عن البلد ؟ .