اتفاق الاتحاد الأوروبي والصين .. بين جهود براجماتية وبين بادرة تنذر بشق صف جهود الرئيس الأمريكي
02-08-2021 01:51 مساءً
0
0
الآن ربما تبدو القيم الديمقراطية والحسابات الأمنية من أهم أولويات الاتحاد الأوروبي، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالمصالح الاقتصادية فقد تتغير هذه الصورة إلى حد ما.
فلطالما انتقد الغرب ولاسيما الاتحاد الأوروبي ممارسات حقوق الإنسان في الصين، إلا أن التكتل أعلن مؤخرا، عن إبرام اتفاق استثماري واسع النطاق مع بكين، في خطوة يراها البعض جهدا براجماتيا يدفع بمصالح الجانبين، بينما يراها آخرون بادرة تنذر بشق صف جهود الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي وعد بإعادة بناء التحالفات مع الشركاء الأوروبيين.
وقد نشر معهد "تشاتام هاوس" ومقره لندن، تقريرا للباحثتين روزا بالفور، مديرة مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، وليزا بوماسي، نائبة مديرة المؤسسة، استعرضا فيه جوانب ذلك الاتفاق وانعاكساته المحتملة على جهود الإدارة الأمريكية الجديدة.
وقالت الباحثتان إنه بعد انتخاب بايدن لرئاسة الولايات المتحدة، كرر تعهده بالانخراط مع الحلفاء، لا سيما في التعامل مع الصين، بل رفع سقف التوقعات أكثر في خطاب تنصيبه حين وعد بـ "إصلاح تحالفاتنا".
وأوضح التقرير أن التناغم في المواقف من كلا جانبي المحيط الأطلسي يبشر على ما يبدو بشهر عسل يضع فيه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة السلام والتعاون في صميم عملهما الجماعي، على النقيض من الحرية العالمية للجميع في إغلاق الحدود والكفاح من أجل الإمدادات الطبية التي صاحبت جائحة فيروس كورونا، والركود الاقتصادي الذي أعقب ذلك.
وترى الباحثتان أن هناك شكوكا قليلة في واشنطن والعواصم الأوروبية بشأن الطريق الصعب في المستقبل، وأعاد الطرفان التأكيد على الأرضية المشتركة بشكل قاطع.
ومع ذلك، لم يستمر الشعور بالارتياح لعودة الولايات المتحدة الوشيكة إلى الحوار والتعاون على ما يبدو بعد أسابيع فقط من انتخاب بايدن بسبب تحرك غير متوقع من الاتحاد الأوروبي.
ويبين التقرير، أن ما أثار استياء الكثيرين في الإدارة الأمريكية الجديدة، إعلان الاتحاد الأوروبي بشكل غير متوقع عن اتفاق رفيع المستوى مع الصين وهو "الاتفاق الشامل للاستثمار"، وقبل أيام فقط من الإعلان عن الاتفاق، طلب جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن "عقد مشاورات مبكرة مع شركائنا الأوروبيين بشأن مخاوفنا المشتركة بشأن الممارسات الاقتصادية للصين"، لكن دعوته لم تلق اهتماما.
ويوضح أن الاتفاق يتضمن وصول الشركات الأوروبية إلى السوق الصينية والتركيز على تحرير الاستثمار وإلغاء القيود الكمية والقواعد المضادة للنقل القسري للتكنولوجيا ووضع التزامات جديدة بشأن سلوك الشركات الصينية المملوكة للدولة.
لكن الاتفاق الذي تم التفاوض بشأنه على عجل في الأيام الأخيرة لرئاسة المانيا للاتحاد الأوروبي، سيواجه معارضة من عدة جهات في أوروبا، بحسب التقرير. فالدول الأعضاء تعتمد على الصين بدرجات متفاوتة، حيث يعطي كثير منها الأولوية للعلاقة عبر الأطلسي، في حين أن هناك قوى سياسية كبيرة حريصة على تحدي التزامات الاتحاد الأوروبي الدقيقة بشأن حقوق الإنسان والعمالة عندما يتعلق الأمر بالصين.
وقد يعني هذا المستوى من المعارضة إمكانية ألا يدخل الاتفاق حيز التنفيذ من الناحية القانونية، وفقا للتقرير. ومع ذلك، فإنه لا يزال يحمل أهمية سياسية عميقة لأنه يلخص مشكلتين، أولهما المعضلة التي تواجهها أوروبا في محاولتها تحديد دور دولي أكثر حزما لنفسها، والثانية هي التحدي المتمثل في إعادة بناء تحالفات الولايات المتحدة التي تجزأت بعد أربع سنوات من رئاسة دونالد ترامب ودراما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وبرر الساسة الأوروبيون الاتفاق مع الصين تحديدا على أساس الحاجة إلى بلورة موقف مشترك ومصالح مشتركة بين الدول الأعضاء، والتغلب على تكتيكات "فرّق تسد" التي اتبعتها بكين بنجاح في أوروبا ومنح الشركات الأوروبية فرصة أفضل للوصول إلى السوق الصينية، وتذهب هذه الحجة إلى أن الاتفاق كان قيد الإعداد منذ عام 2014 ولم يكن من المفترض أن يعتبر أمرا مفاجئا نظرا لالتزام الاتحاد الأوروبي والصين الصارم باتمامه بحلول عام 2020.
وترى الباحثتان أن هذا الخيار من جانب الاتحاد الأوروبي يمثل توقيتا حرجا من منظور العلاقات عبر الأطلسي، وأوضحتا أنه كان من الممكن أن يكون لدى بروكسل رأس مال تفاوضي أفضل لو أنها سمحت بالوقت للتشاور مع واشنطن. وفي النهاية، فضل أولئك الذين يعدون الاتفاق استباق الضغط الأمريكي على الاتحاد الأوروبي وتقديم فوز دبلوماسي لبكين مع المخاطرة بإلقاء ظلال على إعادة العلاقات مع أمريكا.
هذه المفارقات، بحسب التقرير، تلقي بظلالها على قدرة الاتحاد الأوروبي على تطوير شراكات مع الديمقراطيات الناشئة في أماكن أخرى وتضع ضغطا على نفوذه أو قوته الناعمة.
ففي منتصف عام 2019، أصدر الاتحاد الأوروبي جدول أعمال استراتيجي جديد لا يقل طموحا عن استخدام "نفوذه لقيادة الاستجابة للتحديات العالمية".
ويرى التقرير أن جائحة فيروس كورونا ستمثل أول اختبار للاتحاد الأوروبي في هذا الصدد.ومع ذلك، فإن سلوك الغرب الحالي المتمثل في تخزين إمدادات اللقاح - ما يصل إلى خمسة أضعاف العدد الفعلي المطلوب لتطعيم سكانها في حالة كندا - دفع تيدروس أدهانوم، مدير عام منظمة الصحة العالمية، إلى تحذير الدول الغنية بسبب تخزينها لتلك اللقاحات معتبرا ذلك "فشلا أخلاقيا كارثيا" وقال إنه لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الجائحة.
في المقابل، تنخرط الحكومة الصينية في حملة دبلوماسية تقدم من خلالها بديلا للدول النامية التي تواجه فترات انتظار طويلة لتوفير إمدادات اللقاح.
وفي يونيو الماضي، كتب جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، وتيري بريتون، المفوض الأوروبي للسوق الداخلية، أن الوقت قد حان لأوروبا لتكون قادرة على استخدام نفوذها لفرض رؤيتها تجاه العالم والدفاع عن مصالحها.
ويخلص التقرير إلى هناك شيء واضح من خلال هذا الطرح وهو أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلفاؤهما سيكونون بحاجة إلى العمل بجدية أكبر من أجل التعاون لتفادي تفوق الصين عليهم.
د ب أ
فلطالما انتقد الغرب ولاسيما الاتحاد الأوروبي ممارسات حقوق الإنسان في الصين، إلا أن التكتل أعلن مؤخرا، عن إبرام اتفاق استثماري واسع النطاق مع بكين، في خطوة يراها البعض جهدا براجماتيا يدفع بمصالح الجانبين، بينما يراها آخرون بادرة تنذر بشق صف جهود الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي وعد بإعادة بناء التحالفات مع الشركاء الأوروبيين.
وقد نشر معهد "تشاتام هاوس" ومقره لندن، تقريرا للباحثتين روزا بالفور، مديرة مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، وليزا بوماسي، نائبة مديرة المؤسسة، استعرضا فيه جوانب ذلك الاتفاق وانعاكساته المحتملة على جهود الإدارة الأمريكية الجديدة.
وقالت الباحثتان إنه بعد انتخاب بايدن لرئاسة الولايات المتحدة، كرر تعهده بالانخراط مع الحلفاء، لا سيما في التعامل مع الصين، بل رفع سقف التوقعات أكثر في خطاب تنصيبه حين وعد بـ "إصلاح تحالفاتنا".
وأوضح التقرير أن التناغم في المواقف من كلا جانبي المحيط الأطلسي يبشر على ما يبدو بشهر عسل يضع فيه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة السلام والتعاون في صميم عملهما الجماعي، على النقيض من الحرية العالمية للجميع في إغلاق الحدود والكفاح من أجل الإمدادات الطبية التي صاحبت جائحة فيروس كورونا، والركود الاقتصادي الذي أعقب ذلك.
وترى الباحثتان أن هناك شكوكا قليلة في واشنطن والعواصم الأوروبية بشأن الطريق الصعب في المستقبل، وأعاد الطرفان التأكيد على الأرضية المشتركة بشكل قاطع.
ومع ذلك، لم يستمر الشعور بالارتياح لعودة الولايات المتحدة الوشيكة إلى الحوار والتعاون على ما يبدو بعد أسابيع فقط من انتخاب بايدن بسبب تحرك غير متوقع من الاتحاد الأوروبي.
ويبين التقرير، أن ما أثار استياء الكثيرين في الإدارة الأمريكية الجديدة، إعلان الاتحاد الأوروبي بشكل غير متوقع عن اتفاق رفيع المستوى مع الصين وهو "الاتفاق الشامل للاستثمار"، وقبل أيام فقط من الإعلان عن الاتفاق، طلب جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن "عقد مشاورات مبكرة مع شركائنا الأوروبيين بشأن مخاوفنا المشتركة بشأن الممارسات الاقتصادية للصين"، لكن دعوته لم تلق اهتماما.
ويوضح أن الاتفاق يتضمن وصول الشركات الأوروبية إلى السوق الصينية والتركيز على تحرير الاستثمار وإلغاء القيود الكمية والقواعد المضادة للنقل القسري للتكنولوجيا ووضع التزامات جديدة بشأن سلوك الشركات الصينية المملوكة للدولة.
لكن الاتفاق الذي تم التفاوض بشأنه على عجل في الأيام الأخيرة لرئاسة المانيا للاتحاد الأوروبي، سيواجه معارضة من عدة جهات في أوروبا، بحسب التقرير. فالدول الأعضاء تعتمد على الصين بدرجات متفاوتة، حيث يعطي كثير منها الأولوية للعلاقة عبر الأطلسي، في حين أن هناك قوى سياسية كبيرة حريصة على تحدي التزامات الاتحاد الأوروبي الدقيقة بشأن حقوق الإنسان والعمالة عندما يتعلق الأمر بالصين.
وقد يعني هذا المستوى من المعارضة إمكانية ألا يدخل الاتفاق حيز التنفيذ من الناحية القانونية، وفقا للتقرير. ومع ذلك، فإنه لا يزال يحمل أهمية سياسية عميقة لأنه يلخص مشكلتين، أولهما المعضلة التي تواجهها أوروبا في محاولتها تحديد دور دولي أكثر حزما لنفسها، والثانية هي التحدي المتمثل في إعادة بناء تحالفات الولايات المتحدة التي تجزأت بعد أربع سنوات من رئاسة دونالد ترامب ودراما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وبرر الساسة الأوروبيون الاتفاق مع الصين تحديدا على أساس الحاجة إلى بلورة موقف مشترك ومصالح مشتركة بين الدول الأعضاء، والتغلب على تكتيكات "فرّق تسد" التي اتبعتها بكين بنجاح في أوروبا ومنح الشركات الأوروبية فرصة أفضل للوصول إلى السوق الصينية، وتذهب هذه الحجة إلى أن الاتفاق كان قيد الإعداد منذ عام 2014 ولم يكن من المفترض أن يعتبر أمرا مفاجئا نظرا لالتزام الاتحاد الأوروبي والصين الصارم باتمامه بحلول عام 2020.
وترى الباحثتان أن هذا الخيار من جانب الاتحاد الأوروبي يمثل توقيتا حرجا من منظور العلاقات عبر الأطلسي، وأوضحتا أنه كان من الممكن أن يكون لدى بروكسل رأس مال تفاوضي أفضل لو أنها سمحت بالوقت للتشاور مع واشنطن. وفي النهاية، فضل أولئك الذين يعدون الاتفاق استباق الضغط الأمريكي على الاتحاد الأوروبي وتقديم فوز دبلوماسي لبكين مع المخاطرة بإلقاء ظلال على إعادة العلاقات مع أمريكا.
هذه المفارقات، بحسب التقرير، تلقي بظلالها على قدرة الاتحاد الأوروبي على تطوير شراكات مع الديمقراطيات الناشئة في أماكن أخرى وتضع ضغطا على نفوذه أو قوته الناعمة.
ففي منتصف عام 2019، أصدر الاتحاد الأوروبي جدول أعمال استراتيجي جديد لا يقل طموحا عن استخدام "نفوذه لقيادة الاستجابة للتحديات العالمية".
ويرى التقرير أن جائحة فيروس كورونا ستمثل أول اختبار للاتحاد الأوروبي في هذا الصدد.ومع ذلك، فإن سلوك الغرب الحالي المتمثل في تخزين إمدادات اللقاح - ما يصل إلى خمسة أضعاف العدد الفعلي المطلوب لتطعيم سكانها في حالة كندا - دفع تيدروس أدهانوم، مدير عام منظمة الصحة العالمية، إلى تحذير الدول الغنية بسبب تخزينها لتلك اللقاحات معتبرا ذلك "فشلا أخلاقيا كارثيا" وقال إنه لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الجائحة.
في المقابل، تنخرط الحكومة الصينية في حملة دبلوماسية تقدم من خلالها بديلا للدول النامية التي تواجه فترات انتظار طويلة لتوفير إمدادات اللقاح.
وفي يونيو الماضي، كتب جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، وتيري بريتون، المفوض الأوروبي للسوق الداخلية، أن الوقت قد حان لأوروبا لتكون قادرة على استخدام نفوذها لفرض رؤيتها تجاه العالم والدفاع عن مصالحها.
ويخلص التقرير إلى هناك شيء واضح من خلال هذا الطرح وهو أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلفاؤهما سيكونون بحاجة إلى العمل بجدية أكبر من أجل التعاون لتفادي تفوق الصين عليهم.
د ب أ