• ×
السبت 21 سبتمبر 2024 | 09-20-2024

عراب المسرح السعودي فهد رده في الحلقة النقاشية لمهرجان الكويت الـ١٩ : "الناقد شريك في استنطاق العمل الإبداعي"

عراب المسرح السعودي فهد رده في الحلقة النقاشية لمهرجان الكويت الـ١٩ : "الناقد شريك في استنطاق العمل الإبداعي"
0
0
الشبكة الإعلامية السعودية -الكويت-سماء الشريف 

قدّم الكاتب والمخرج المسرحي العرّاب فهد رده الحارثي يوم أمس الأحد ٢٠١٨/١٢/٢٣ ورقة ضمن مشاركته في الحلقة النقاشية ( تكاملية العلاقة بين المبدع والناقد ) - محور (العلاقة بين المؤلف والناقد) ، في المهرجان المسرحي الكويتي التاسع عشر تضمنت عددا من المحاور الرئيسة جاء فيها :

-الناقد شريك في استنطاق العمل الإبداعي فالعلاقة بين المؤلف والناقد علاقة متشابكة
-الاشتغالات المسرحية المتعددة للجيل الأول من النقاد أظهرت شخصية الناقد المتمكن من أدواته النقدية واستطاع من خلالها تقديم فعل نقدي هام وواضح ومفيد
-الناقد المبدع يضيف للنص وهو يقدم قراءته له وعمله الإبداعي موازٍ للمؤلف تماماً
-العلاقة بين المبدع كاتب النص والناقد المبدع قاريء النص علاقة تكاملية هامة للطرفين
-اتساع جغرافية العالم العربي واختلاف مشارب المتلقي والبيئة المحيطة به خلقت حالة من الاختلاف
-النقد المسرحي بين الأكاديمي والصحفي


وفي التفاصيل كتب فهد رده :

- فاتحة /

منذ الإبداع كان الناقد شريكا في استنطاق العمل الإبداعي، كان يقرأ، كان يكتب كان يحلل، كان يفكك، كان يشرح ، كان يستنبط ، كان يعيد ترتيب الأدوات ، كان يستلهم نبضه من نبض المبدع ثم يضيف له ولنصه إبداعاً على إبداع
هذه العلاقة بين المؤلف والناقد هي في واقعها علاقة متشابكة تذهب نحو الأدبي في حال كونها نصاً مكتوباً ونحو الفني في حالة كونها نصاً منفذاً ، ثم أنها تتشابك أيضاً في طبيعة تلقي الناقد لنص المؤلف وتلقي المؤلف لنص الناقد

همزة وصل /

لعل من حسن حظي أني ألتقيت في بداية مشواري الكتابي في المسرح مع أعلام المسرح العربي من نقاد لكل منهم مدرسة في القراءة وفي التعامل مع العمل الفني المسرحي ومع النص بشكل خاص
سامي خشبة ، هدى وصفي ، أحمد العشري ، أحمد عبدالحليم ، عبدالرحمن عرنوس ، مفيد الحوامدة ، مشهور مصطفى ، صالح سعد ، عواد علي ، يوسف الحمدان
وغيرهم ممن لاتحضرني أسماؤهم الأن، لكني عندما توقفت أمامهم وجدت أمامي كتل مبدعة في عملها الإبداعي الفني ثم هي تاليا مبدعة في أدواتها النقدية
أتذكر أني عندما كنت أقدم مع رفقاء دربي مسرحية ( الفنار ) في الدورة الخامسة لمهرجان الفرق الأهلية المسرحي هنا في الكويت عام 1997م
تحدث النقاد عن أسطورة الفنار والبحر وأنها من مكونات البيئة التي كتب فيها النص وأنها عن أسطورة ما قديمة أعتمد عليها الكاتب وقدموا قراءات موازية متنوعة بينما عندما جاء دور الأستاذ سامي خشبة قال هذه الأسطورة غير حقيقية وهي من صنع الكاتب واستفاض في الحديث وكنت مندهشاً غاية الدهشة فالرجل أقابله للمرة الأولى وليس بيني وبينه سابق معرفة فكيف استطاع أن يشرح تفاصيل كتابتي للنص ومن ثم تفاصيل ماكنا نعمل في بروفاتنا وصولاً لحالة العرض
عندما سألته وعبرت له عن دهشتي اخبرني انه لم يكن متخصصا في المسرح ولكن مكتبه أبيه كونت حصيلة الناقد لديه ثم مشاهدته لأعمال مسرحية بعدد شعر رأسه جعله متمرساً في ذلك
تكرر الأمر مع عبدالرحمن عرنوس الذي كان يملك ناقداً فذا له قراءة أفق لامثيل لها ، لكن غرامه بمشروعه المسرحي لم يظهر الناقد الفذ الذي كان يملك الرجل
وتكرر الأمر في مرات ومرات مع الأسماء التي ذكرت والتي لم أذكر ، لكني استحضرت الشاهد هنا وهو أن هذا الجيل من النقاد كان في معظمه له اشتغالات مسرحية عديدة ومن ثم ظهرت به شخصية الناقد المتمكن من أدواته النقدية والتي استطاع من خلالها تقديم فعل نقدي هام وواضح ومفيد ( ثم خلف من بعدهم خلف )

همزة قطع /

كما أن ليس كل كاتب مبدع ، فأيضا ليس كل ناقد ناقد .. فالنقد فن حقيقي و ليس مجرد عملية حسابية وليست قوالب جاهزة فكما هو الكاتب مبدع وخلاق يكون الناقد مبدعاً وخلاقاً أيضاً والعكس بالعكس ، فالناقد المبدع يضيف للنص وهو يقدم قراءته له ويكون عمله في شكله الإبداعي موازي للمؤلف تماماً
إن الناقد المبدع هو ذاك الذي يساكن النص ويسكنه ويستمد طاقاته من خلال حالة من التواصل والاتصال بهذا النص بحيث يتمكن من تحقيق رؤيا كاملة يستنطق من خلالها مفردات النص ، هو يفكك ويعيد التركيب ، هو يناقش ويحلل ويجعل النص في ميزان التشريح والبحث ، يقتل المؤلف حينا ، يجعله ماثلاً أمام نصه في حين أخر، يدرس حالة النص النفسية والذهنية وقد يصل لحالة الكاتب نفسه ، يبحث في الدلالة والإشارة والعلامة والنسق ، يقرأ أفق النص ، فيرشد الكاتب لمناطق لم يكن يدركها أثناء كتابته ولاحتى بعدها ولولا هذه القراءة لما وصل لها ، إنه المبدع الثاني لنص المبدع والناقد بوصفه مبدعاً ملهما يكون دوماً صاحب رؤية وقدرة على قراءة أفق النص

بداية السطر /

تكون العلاقة بين المبدع كاتب النص والناقد المبدع قاريء النص علاقة تكاملية هامة للطرفين فهي كما كانت تعني للمؤلف الكاتب مجال لرؤية نصه من خلال عين خبيرة فهي أيضا في نفس الوقت كانت تعني للناقد تجريب واختبار لأدواته النقدية ومكمن متعة خاصة وليست مجال اشتغال له
ولعلي أجد أن الناقد المسرحي ممارسا لأصعب أنواع النقد لكونه سيبحث بداية في المنهج الذي كتب فيه المؤلف وستكون الأسئلة ماثلة أمامه :
هل كتب بشكل تقليدي، هل كتب بشكل ملحمي أو عبثي ؟
هل طبق منهج المدرسة كما يجب؟
هل جدد أو ابتكر؟
هل حرص على بناء درامي متدفق ؟
هل جدد في شكل تكوينه الكتابي ؟
ثم سيذهب نحو حوار النص ولغته وتكوينه الكتابي هل وصلت لغة النص لخلق الحالة المسرحية هل أظهرت الشخصيات هل شخصت الحالة كما يجب
ثم سيذهب للنص نفسه هل هو نص أصيل للكاتب أم مقتبس أم معد من جنس أدبي أخر
ثم سيذهب لحالة قراءة النص المكتوب أم قراءة نص العرض
ثم سيذهب لمدى الابتكار والتجديد في شكل النص وتكوينه
يالها من مهام شاقة لا يتمكن منها إلا شخص موهوب ومبدع ، هل قلت موهوباً ؟
لاشك عندي أني أقصد ذلك تماماً فالنقد عمل إبداعي يحتاج لموهبة خاصة وكل من يمارس النقد خارج إطار الموهبة سيكون عمله النقدي جافاً قد يستوفي الشروط ولكنه لايحقق روح المبدع وتمكنه من إضافة لمساته السحرية على موضوعه النقدي
ويلعب الوقت دوراً هاماً في ظروف الحالة النقدية وفقاً للزمن والمكان المتاحة للناقد ، فقراءة نص مسرحي من خلال حالة العرض ونص العرض ستتيح له فرصة طرح مفاتيح النص وفكرته وطريقة بنائه لكنها لن تكون كافية وشاملة لاختبار أدواته ويختنق الأمر أكثر لديه لو كان الأمر مجرد تعليق مقتضب من خلال ندوة تطبيقية للعرض
بينما تتاح الفرصة له بشكل أكبر لو قرأ النص مسبقاً ثم شاهد العرض ثم كتب عنه ففي هذه الحالة سيتمكن من وقته ويمكن لعرضه النقدي من الظهور بشكله الأمثل
وفي حالة ثالثة ستكون أمورة أكثر صعوبة في تصوري عندما يقرأ نصاً ميتاً وهو ذلك النص المكتوب الذي لم ينفذ وطبع في مجموعة أو منفرداً لأنه سيكون أمام أدواته النقدية فقط دون مساعدة من مخرج قارئ وممثل يشكل خلقة اتصال وتواصل له مع النص المسرحي وقد يذهب الناقد في هذه الحالة نحو تفسير وتوجيه وتقويم النص المسرحي باعتباره الأدبي أولاً
بينما يتفاعل الكاتب المسرحي مع الناقد وفق تصنيفه للناقد فقد يصنفه من أولئك النقاد الذيم يطبقون منهجاً علميا على نص ما ويحاول لي عنق فكرة وطريقة كتابة النص ومفرداته وفق قالب محدد سبق له دراسته ولايتمكن من غيره
وقد يصنفه من أصحاب الميول والأهواء فهذا ناقد يحب المدرسة التقليدية في الكتابة ولايحب العبث مثلاً فيهضم حق الكاتب والنص ويذهب في تحليله لمنطقة أخرى فيضر بنقده وبالنص الذي هو مادة نقده
وقد يصنفه من تلك النوعية التي تغرم بالكاتب وأسلوبه فتذوب في فكر الكاتب أو لغته وتميل معه حيثما مال فتجعل من الحبة قبة وتحمل النص مالايحتمل من الدلالات
وفي كل حاله سنجد تفاعل الكاتب مع النقد يأتي في سياق القبول أو الرفض لكنه في نهاية المطاف سيقبل من الكلام مايرشده ويفتح أفقه نحو تطوير أدواته أو يرشده لجماليات في نصه لم يدركها حين كتابته ويخلصه من سلبياته وقد لايقبل بذلك فيما لو شعر أن الناقد يبحر في بحر وهو في بحر آخر

النص المسرحي وتلقيه ونقده بين المشارقة والمغاربة /

لاشك لدي أنه لدينا حالتين من حالات التلقي في العالم العربي ، ونظراً لاتساع العالم العربي كرقعة جغرافية واختلاف مشارب التلقي والبيئة المحيطة به فقد خلقت حالة الاختلاف هذه ، ففي المشرق العربي أهتم المؤلفون والنقاد بفكره العمل وطريقة بناءه الدرامي والقصة والحبكة واللغة وبالتالي توجه الناقد نحو هذه المفردات الأساسية في النص الذي كان مادة بحثه بينما ذهب المغاربة إلى فكرة العرض مباشرة دون بحث عن قصة أو حبكة وأحالوا الأمر للدلالة والإشارة وظهر لديهم المنهج السيمائي في النقد واهتموا به كثيراً ، وهومنهج لم يهتم به النقد المسرحي المشرقي إلا مؤخراً ، مما خلق مساحة من التباين بين قراءات المشارقة والمغاربة للنص المسرحي وللعمل بشكله المعروض أيضا ، وكان ذلك بمثابة فجوة بين حالتين التلقي والنقد في العمل المسرحي بصفه عامة ، وفي اعتقادي أن هذا الأمر قد بدأ في التلاشي في السنوات الأخيرة بسبب كثرة المهرجانات المسرحية في عالمنا العربي مما أوجد حالة من التفاهم والتصالح بين قراءات المشارقة والمغاربة للعمل المسرحي بصفة عامة وللنص المسرحي بصفة عامة .

النقد المسرحي بين الأكاديمي والصحفي /

ساهمت الصحافة الفنية والأدبية وحتى اليومية في خدمة النقد المسرحي لسنوات طويلة وساهم الناقد الفني خريج أقسام النقد في المعاهد المسرحية والكليات الأدبية وبعض موهبي الفطرة في إثراء حركة النقد تحليلاً ونقاشاً وتغطية نقدية للعروض المسرحية وحظي تحليل النص المسرحي ضمن مفردات العرض بنصيب الأسد من التحليل والعرض وحالة النقاش معه وفيه ، ثم جاءت فترة خفت فيها هذا الاهتمام وقل اهتمام الصحافة بالنقد وتولى تغطية الأعمال المسرحية صحفي أخباري كان يكتفي بخبر عرض المسرحية وطاقهما وأجواء تفاعل الجمهور معها وقد يمتد الأمر قليلاً لبعض الانطباعات السريعة عنها ، وشعر المسرحي بأزمة فقدان النقد فأهتم بالندوات التطبيقية التي تعقب العرض أو تقام في يومه الثاني واجتذبت هذه الندوات دكاترة المعاهد والكليات فتكاثروا نحوها وساهمت المهرجانات المسرحية المتكاثرة والمتوالدة في العالم العربي في زيادة وجود الاكاديمي الناقد والذي عندما لم يجد مساحة كافية لطرح رؤيته حول العمل المقدم طالب بمساحة أكثر من التعقيب ، فعمدت إدارة الندوات إلى تخصيص معقب رئيسي لكل عرض ، وكثر تداخل الاكاديمي فكثرت المصطلحات ومورس النقد بشكله الجاف المقنن الذي يدور في مدى قراءات الاكاديمي وقدرته على الاستجابة والتجاوب مع الحركة الدائمة للمسرح باعتباره فناً حياً يخلق جديدة كل حين ، وتباين الأمر بين ناقد ثري وناقد فقير ، وبين متحدث بارع وأخر مرتبك ، وولدت الندوات التطبيقية ندوات فكرية ساهم الاكاديمي دون شك في إثراء مابها ووجد ضالته فيها على اعتبار قدرته الأصيلة على البحث ونتج عن البحث كثرة ووفرة في الإصدار المسرحي وتباين الأمر كذلك بين إصدار وأخر وفقاً لعلاقة الاكاديمي باللعبة المسرحية ومدى قربه أو بعده عنها وأصبحت ظاهرة تجوال الاكاديمي بين المهرجانات ظاهرة ملموسة بها الغث والسمين وبها الثري والفقير وبها الصالح والفاسد .


وختم العراب الحارثي ورقته محدداً علاقة الكاتب المسرحي بالناقد : "هي علاقة دائرية تبدأ من كاتب وتتجه لطاقم عرض ثم تتجه لناقد ، وقد تتجه مباشرة من النص للناقد لتنتج في كلا الحالتين هذا الفعل التكاملي في المبنى والمعنى ، فالناقد يبحث في مكونات نص الكاتب ليبحث فيه عن مكامن الجمال وليضيء للكاتب وللقارئ علامات على طريق الإبداع وقد يكتشف خللاً ما في نص ما ليعيد للكاتب حالة توازنه في مرحلة أخرة من كتابته لنصه وليكون كعدسة مكبرة تبحث عن حالة من التكامل في مبحثها في نص ما "

وفي سطر أخير كتب : "قد تكون علاقة المؤلف والناقد كقطبي مغناطيس يتنافران أو يتجاذبان، يختلفان ، يتجادلان ، يختصمان ، يتفقان ، إلا أن ما يجمعهما هو الإبداع أولاً وأخيراً... "