الملك سلمان وولي عهده الأمين.. القيادة الحكيمة .. نادي المدينة الأدبي
09-26-2018 09:55 صباحاً
0
0
الشبكة الإعلامية السعودية _المدينة المنورة _سماء الشريف قدّم الدكتور فائز البدراني ضمن أنشطةالنادي الأدبي في المدينة المنورة ، محاضرة بمناسبة ذكرى اليوم الوطني (88) 1440هـ
بدأها برفع التهاني لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ، موضحاً أن من محاسن الصدف أن تكون هذه المحاضرة في المدينة، والمدينة تبتهج بمناسبتين عزيزتين، أولهما ذكرى اليوم الوطني، وثانيهما: زيارة خادم الحرمين الشريفين.. سائلاً الله العلي القدير أن يحفظ بلادنا .
ثم تحدث عن اليوم الوطني وذكر معنى أن نستذكر اليوم الوطني، ولماذا نحتفي به، حيث أن هذا الجيل لا يدرك حقيقة ما كانت عليه البلاد قبل التوحيد.
وأكمل بالحديث عن المملكة قبل توحيدها ودور الملك عبدالعزيز رحمه الله وجهوده في تأسيسها وتوحيدها متطرقاً إلى تلك الفترة الزمنية وأحداثها وصولا إلى النهضة التي انتقلنا إليها ودور القادة فيها ، حيث أن من مدرسة القائد عبدالعزيز نهل أبناؤه، وساروا على نهجه، وظلت سياسة المملكة العربية السعودية مضرب المثل في الاستقرار والثبات .
وأكمل بعهد خادم الحرمين الشريفين حين شاء الله للملك سلمان بن عبدالعزيز أن يتسنم القيادة، والمنطقة تجتاحها متغيرات إقليمية ودولية، وتعصف بها تقلبات سياسية واقتصادية خطيرة، فكان القائد المناسب في الوقت المناسب، عندما آلت إليه قيادة البلاد السعودية في ظروف إقليمية ودولية دقيقة وحرجة، استبشر الناس بتعـيـيـنـه، واطمأنت النفوس لقيادته، وتباشرت بزعامته، وتسابقت لمبايعته، وغلب الأمل على الوجل، وتبددت المخاوف ، وحين اختار نجله محمد بن سلمان وليا للعهد، فكان هذا الشبل من ذاك الأسد، فصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان نهل من مدرسة أبيه، وارتوى من معينه، فتوافقت حكمة سلمان وخبرته مع عزيمة الشباب وطموحه وتنوره، وتشكلت حكومة الحزم.
وتحدث بعد ذلك عن واجبات المواطنة ولخصها في نقاط محددة .
وختم محاضرته بالتتأكيد على ضرورة إدراك ما نحن فيه من نعم الأمن والوحدة والاستقرار ورغد العيش، يستوجب منا أداء حق الله علينا، وحق ولاة أمرنا، والارتقاء بالسلوك العام المتوافق مع ما تصبوا إليه قيادتنا من الرقي والتطور.
وكما بدأ بحمد الله ختم بحمد الله، سائلا المولى القدير أن يحفظ ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأن يمد في عمره، وأن يوفقه وولي عهده الأمين لما فيه عز البلاد وسؤددها، وأن يديم على بلادنا أمنها واستقرارها، وأن يكفيها شر الحاقدين والمتربصين،وأن يحفظ جنودنا البواسل، على كل أرض، وتحتكل سماء، وأن يسدد رميهم .
مرفق المحاضرة للاطلاع والاستزادة :
بادئ ذي بدء أرفع أصدق التهاني والتبريكات لمولاي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بمناسبة ذكرى يومنا الوطني، ولعل من محاسن الصدف أن تكون هذه المحاضرة في المدينة، والمدينة تبتهج بمناسبتين عزيزتين، أولهما ذكرى اليوم الوطني، وثانيهما: زيارة خادم الحرمين الشريفين.. نسأل الله العلي القدير أن يحفظ بلادنا، وأمننا، وديننا، ومقدساتنا، وأن يعز ولاة أمرنا، وأن ينصر بالحق وعلى الحق مليكنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده
الأمين، وأن يخذل كل من عاداهما أو أراد بهما سوءا.. قد لا يعرف كثير من أبناء هذا الجيل معنى أن نستذكر اليوم الوطني،
ولماذا نحتفي به، لأنهم لا يدركون حقيقة ما كانت عليه البلاد قبل التوحيد.
وهذا يذكرنا بما يروى عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه
قال: "من لم يعرف الجاهلية لا يعرف الإسلام". ما أحوجنا إلى معرفة معنى هذه الحكمة العظيمة.. ومعناها أنه لا يعرف نعمة الإسلام وفضله على الإنسان في دنياه وآخرته إلاّ من عرف مساوئ الجاهلية، وتفاهة الحياة فيها.. إن الغاية من إحياء اليوم الوطني هي أن نستذكر يوم توحدت هذه البلاد، والتم شملها، وانتهت معاناة أهلها، وزالت حقبة مظلمة، وبدأت حقبة مشرقة، على يد مؤسس البلاد وباني نهضتها الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-الذي قضى حياته مكافحا ومناضلا، لينعم الشعب السعودي بهذه الوحدة العظيمة، وبهذه النهضة العلمية والحضارية.
• حكمة المؤسس: عندما نتكلم عن حكمة القيادة التي هي موضوع المحاضرة.. فلابد أن
نبدأ من زمن القائد المؤسس الذي جعل "الحكمة" مبدأ قامت عليه هذه الدولة، واستطاع بحكمته وحنكته أن يشخص مشكلة البلاد، وأن يعرف كيف يعالجها.. وتظهر حكمة القائد الشاب عبدالعزيز في وضوح الهدف، وسلامة المقصد، والقدرة على انتقاء الرجال العاملين معه. ثم تتجلى حنكته كقائد عسكري منذ اليوم الأول لمسيرته النضالية، يظهر
ذلك في بطولة اقتحام الرياض، والعمل لما بعد استردادها، فلم يغتر بالنصر، ولم ينخدع بالسلطة، بل شرع في تثبيت الانتصار، فأسرع ببناء الأسوار، وواصل عمل الليل بالنهار، لتوسيع قاعدة ملكه، فضم المناطق المحيطة بالعاصمة، ثم تحرك نحو القصيم، وصمد في مواجهة خصمه العنيد عبدالعزيز بن رشيد لما يقارب أربع سنوات قضاها فيكٍر وفر في ظروف قاسية مجدبة..
وعندما وجد نفسه في العام 1327هـ بين ثلاث جبهات، انشقاق وفتنة داخلية، وتوغل الشريف من الغرب (صفر 1327هـ)، وتوغل ابن رشيد من الشمال، واجه تلك الجبهات بثبات ورباطة جأش، وتعامل معها بحكمة القائد العظيم، وخرج منتصرا مظفرا بأقل الخسائر.
ومثلما تعامل الملك عبدالعزيز مع التحديات الداخلية، بحكمة ومهارة، فقد تعامل مع القوى الخارجية بحكمة أكبر، فقد نجح في استرداد الأحساء (1331/5/4هـ) دون استعداء الدولة العثمانية، فلم يرتكب خطأ يغضب الأتراك، بل تعامل مع العساكر الأتراك في القصيم والأحساء تعاملا نبيلا لا يقال عنه إنه لبق فقط، بل هو غاية في الشهامة، وأعادهم إلى بلادهم مكرمين معززين. كانت غايته تحقيق مشروعه، وليس الانتقام من هذا أو ذاك.. وتعامل بهذا النهج الأخلاقي في حوادث دخول حائل، وفي جدة، والمدينة(1). فكان حلمه أكبر من غضبه، فلم تستفزه علاقات الماضي مع خصومه، وأدرك أن العفو أفضل من الثأر، والصفح أحسن عاقبة من الانتقام. سار على هذا في معالجة قضية المنشقين من الإخوان عام 1345هـ، فمكث أكثر من سنتين يتفاوض معهم، ولكن لما وصل الانشقاق إلى حد لا يمكن السكوت عليه، وبدأ المنشقون في التعدي على الأرواح والممتلكات، واجه الأزمة بالتي كانت هي الداء، وعندما انتصر في معركة السبلة بضربة خاطفة، (1347/10/19هـ) أمر بوقف القتال، ومنع ملاحقة المنشقين، وأحال رؤوس الفتنة إلى حكم الشرع، وتجاوز عن الأتباع المغرر بهم.
يقول المفكر السياسي والمؤرخ أمين التميمي –رحمه الله– مثنيا على حكمة الملك عبدالعزيز في تعامله مع تلك المعضلة: "قضى على المشكلات التي ظهرت داخل بلاده، وكانت عاملاً قوياً من عوامل تأخر نهضتها، بحكمة وحنكة لولا اتصافه بهما لاستفحل الداء ولعز الدواء، ولكفت مشكلة واحدة منها لتقويض أركان مملكته، ولإعادة البلاد إلى فوضاها السابقة"
وعندما كانت بريطانيا هي أقوى الدول العظمى المحيطة بنجد، نجح عبدالعزيز في التعامل معها بحنكة ودهاء فانتزع اعترافها بحكمه (18صفر 1334هـ/1915/12/25م)، وأظهر لها أنه إلى جانبها في الحرب العالمية، لكنه لم يطلق طلقة واحدة على الطرف الآخر. فجنب بلاده ومواطنيه الانزلاق إلى جحيم الحرب العالمية. وفي هذا الصدد يقول أمين التميمي الذي كان شاهد عيان على تلك المرحلة "وها هو ذا -أي الملك عبدالعزيز- يسير في هذه الحرب الضروس التي أكلت الأخضر واليابس، واكتوت بنارها جميع دول العالم على سياسة غاية في بعد النظر والحكمة، مما يدل
على وسع الحيلة، وقوة الإرادة، وعظيم التقدير للظروف والأحوال".
وبفضل الله وتوفيقه ثم بفضل هذه الحنكة استطاع أن يقود سفينة الوحدة بنجاح، وأنجز ما عجز عنه غيره، وبنى لنا هذا الكيان الشامخ الذي نتفيأ ظلاله، نحن ومن حولنا من الشعوب الشقيقة والصديقة..
لم يكــن الطريــق أمــام الملــك عبــدالعزيز -طيــب الله ثــراه- مفروشــا بالــورود، بلكان محاطا بتحديات داخلية وخارجية. ففي الوقت الـذيكـان القائـد يـلـم شـعث الـداخلكانـت عينـه الأخـرى علـى ـاطر الخـارج، يراقـب صـراع القـوى الدوليـــة والإقليميـــة الـــتيكانـــت تتصـــارع علـــى اقتســـام منـــاطق النفـــوذ الـــدولي، فاســـتطاع بعبقريتـــه أن يتجنـــب الـــدخول في مواجهـــات أو نزاعـــات مـــع تلـــك القـوى الـتيكانـت تتحـين الفـرص لإحبـا مشـروعه الـداخلي الطمـوح، فكـان الــزعيم العــربي الوحيــد الــذي خــرج مــن الحــرب العالميــة بأكــبر المكاســب وأقــل
الخسائر. وتظهر حكمة المؤسس في قدرته على الجمع بين الحزم والأناة، وبين
اليقظة والتغافل، وبين القوة والسياسة. وكانكثيرا ما يردد المثل القائل: "الحزم أبو الظفرات، والترك أبو الحسرات".
وتتجلى حكمة المؤسس فيما قام به بعد أن وحد البلاد، وترجل عن حصان الجهاد، إذ التفت إلى البناء، والتطوير بما تسمح به ظروف الصحراء، وإرث الماضي، وشح الموارد، فعمل على توطين البادية، وتثبيت الأمن، ومنع الغزو، وتحسين المواصلات، ونشر العلم، واهتم بإنعاش الزراعة، واستثمار
ومن مدرسة القائد عبدالعزيز نهل أبناؤه، فساروا على نهجه، فظلت سياسة المملكة العربية السعودية مضرب المثل في الاستقرار والثبات على سياسة حكيمة ومتوازنة تجاه القضايا الداخلية والخارجية. وكان لهذه السياسة أثر كبير في نجاح البلاد في تجاوز كثير من التحديات والأزمات التي مرت بها البلاد خصوصا؛ والمنطقة العربية عموما، وسارت الأمور على وتيرة واحدة، إلى أن وصل الحكم إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده، وفقهما الله.. ويرى كثيرون أن الملك سلمان كان الأكثر شبها بصفات المؤسس، والأقرب لأسلوبه في القيادة، يقول أحد الذين عرفوا خادم الحرمين حق المعرفة، مصورا تأثر الملك سلمان بوالده المؤسس: "... نحن لم نعش فترة الملك عبدالعزيز، ولم يكتب لنا أن نلتقيه في هذه الحياة، لكننا قرأنا وطالعنا كثيراً مما كتب عنه، فرسمنا له صورة بديعة في خيالاتنا، نجدها في وقتنا الراهن ماثلة أمامنا في شخص سلمان بن عبدالعزيز الذي يتمتع بشخصية كاريزمية، تأسرك حال لقائك به، إضافة إلى كونه عولمياً ضالعاً في السياسة والفكر والاقتصاد والإعلام، وذا معرفة بتاريخ الجزيرة
العربية وبقبائلها وأسرها" .
شاء الله للملك سلمان بن عبدالعزيز أن يتسنم القيادة، والمنطقة تجتاحها متغيرات إقليمية ودولية، وتعصف بها تقلبات سياسية واقتصادية خطيرة، فكان القائد المناسب في الوقت المناسب.
لقد عرف خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي تولى إمارة الرياض لما يقارب نصف قرن على إنه أنموذج إداري ناجح، فقد تميز جلالته بصفات قيادية قلما توافرت في قائد آخر، فقد عرف بالانضبا والدقة والحزم في إدارته.. كما عرف بثقافته المعرفية الواسعة.. فكان الإداري المثقف، والمسؤول الواعي، والقيادي العارف بأحوال مجتمعه.. كان قارئا جيدا للتاريخ، مستفيدا من تجارب الماضي، ولاشك أن الاطلاع على التاريخ من
أهم مقومات القائد الناجح. لقد أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ابن عبدالعزيز -حفظه
الله- في أول يوم من استلامه للحكم عن هدفه وبرنامجه القيادي، فقال: "إن هدفي الأول أن تكون بلادنا أنموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك".
ولأن الموضوع هنا يدور حول الجانب القيادي في شخصية خادم الحرمين؛ فإن المجال لا يتسع للحديث عن إنجازات جلالته في مجالات العمل الثقافي، أو العمل الاجتماعي، أو غيرها من المجالات التي أعطى لها الكثير
من وقته وحياته.
لقد اضطلع جلالته على مدى ستة عقود بمسؤوليات جسام، على المستويين الداخلي والخارجي، ففي مكتبه بإمارة الرياض كان يعالج عشرات القضايا اليومية الشائكة، وعلى مستوى الأسرة المالكة كان بمثابة صمام الأمان، وحكيم العائلة، فكان الأخ الشقيق للكبير، وكان الأب الحاني للصغير.. وعلى مستوى القيادة كان مستشار الملوك.. وعلى المستوى
الخارجيكان الصديق المقّرب للزعماء والقادة. عرف الملك سلمان عند زعماء العرب والمسلمين والأجانب بشخصيته
المثقفة، الواعية، الهادئة، وما تنطوي عليه من وزن فكري خلاق، قوامه الالتزام بالعقيدة الصحيحة الوسطية مع الأخذ بأسباب النهوض والتطور(1).
كما كان ذا ثقل سياسي مبني على إيمانه بأن تسود في العالم أواصر المحبة
والسلام، على أسس من احترام الحقوق، ورفض التدخل في شؤون الآخرين. فهو كما يقول الأستاذ الكبير سمير عطا الله: "... فهو المثقف الذي عرفه الصحفيون، وهو الباني الكبير الذي عرفته الرياض منذ 50 عاماً، أمضى شبابه في تأسيسها وعمره في تكبيرها. يضي سنوات الحكمة والخبرة في توطيد الأسس وتمتين المؤسسات، وتثبيت القاعدة الأولى
للعمل: التطوير في ظل الإرث، والتعمير في ضوء المستقبل"(2).
ويعدد الكاتب بعض مزايا الملك سلمان خلال سنوات إمارة الرياض، فيذكر منها: أنه كان غالبا ما يصل مكتبه قبل موظفيه، ويغادره بعد معظمهم وكان "يتفقد الرياض وأهلها، ويزور مستشفياتها، وبسطاءها، وما زال الصحافيون العرب يعتقدون أن لا عمل له سوى المتابعة السياسية؛ تلك هي قدرته على تنظيم الوقت!! ".
وعندما آلت إليه قيادة البلاد السعودية في ظروف إقليمية ودولية دقيقة وحرجة، استبشر الناس بتعـيـيـنـه، واطمأنت النفوس لقيادته، وتباشرت بزعامته، وتسابقت لمبايعته، وغلب الأمل على الوجل، وتبددت المخاوف
بإذن الله من المستقبل المجهول.
• ولي العهد: "الحكمة والطموح" عندما استلم الملك سلمان الحكم، اختار نجله محمد بن سلمان وليا
للعهد، فكان هذا الشبل من ذاك الأسد، فصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان نهل من مدرسة أبيه، وارتوى من معينه، فتوافقت حكمة سلمان وخبرته مع عزيمة الشباب وطموحه وتنوره، وتشكلت حكومة الحزم.. وقد عبر ولي عهده الأمين عن برنامجه الطموح بقوله: ".. نثق ونعرف أن الله سبحانه حبانا وطناً مباركاً هو أثمن من البترول، ففيه الحرمان الشريفان، أطهر بقاع الأرض، وقبلة المسلمين، وهذا هو عمقنا العربي والإسلامي،
وهو عامل نجاحنا الأول..".
وكانت أبرز خطوات قيادة الحزم التصحيحية إقرار برنامج "رؤية 2030" تلك النقلة التطويرية الطموحة، المبنية على أهداف بعيدة المدى، من أجل نقلة نوعية، في الإدارة والاقتصاد، ولإحداث تطوير شامل يتواكب مع متطلبات المستقبل، ويتسق مع التحولات العالمية. فرؤية 2030 تضمنت أهدافا قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى، من أجل تغيـير هيكلة الاقتصاد السعودي، الذي كان يعتمد على الموارد النفطية ويعطل الموارد والإمكانيات الأخرى التي تزخر بها بلادنا. فجاءت الرؤية لتصلح هذا الخلل، ولتعالج هذه المعضلة من خلال تحول حقيقي إلى تنوع الموارد، فكان من أهدافها زيادة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50%. كما جاءت الرؤية ببرنامج طموح للتخصيص، من أجل تحقيق مشاركة الشعب في ملكية الأصول الحكومية وإدارتها. ومن ذلك أيضا برنامج صندوق الاستثمارات الذي
دخلت به بلادنا عصرا جديدا ورائدا في ظل هذه القيادة الطموحة. كما تضمنت الرؤية أهدافا وطنية وقومية لا تقل أهمية، وفي مقدمتها استنهاض الطاقات البشرية الوطنية، والاستثمار في الشباب السعودي، والسعي إلى خفض البطالة إلى أدنى مستوى، وتحقيق التوازن المالي من خلال رفعكفاءة الإنفاق الرأسمالي، وتصحيح أسعار الخدمات، وإعادة توجيه الدعم للمستحقين. وقد رأينا خلال السنتين الأخيرتين بوادر هذه الأهداف تتحقق بالأرقام، ورأينا إحلال الشباب السعودي ذكورا وإناثا محل الوافدين في كثير من المهن والوظائف، ولا يخفى على الجميع ما وراء هذه الخطوة من خفض كبير لحجم التحويلات المالية إلى الخارج. كما رأينا عشرات وربما المئات من
المحلات والمؤسسات الوهمية تغلق أبوابها، وتشطب سجلاتها. ومن أهدافها -أيضا- رفع الكفاءة الإدارية، ورفع الوعي الوظيفي، واحترام الحقوق والواجبات الوطنية، فلمسنا خلال مدة وجيزة الحزم في تطبيق الأنظمة، وضبط إيقاع الأجهزة الأمنية والإدارية والقضائية، ورفع مستوى
الكفاءة، وتطوير الأداء، ووقف الهدر الوظيفي والمالي.. لقد رأينا أثر ذلك الحزم في احترام الأنظمة المرورية، ورأينا ذلك في سرعة تنفيذ القرارات.
وعلى المستوى الخارجي تعاملت القيادة مع الظروف المحدقة بنا بكل براعة، فجنبت بلادنا اطر حقيقية كنا منها قاب قوسين أو أدنى.. وكان أكبر تلك المخاطر ما خطط له الأعداء بشأن اليمن الشقيق، الذي يمثل وقوعه تحت سيادة غير عربية تهديدا حقيقيا لأمن المملكة العربية السعودية.. لقد كان قرار التصدي لتلك الكارثة قرارا سياسيا وعسكريا في غاية الحكمة والشجاعة بشهادة الخبراء العسكريين والسياسيين. فلو تأخر ذلك القرار
لكانت النتائجكارثية على بلادنا وعلى أشقائنا في اليمن وفي الخليج. لقد أدركت القيادة الحكيمة أن سقو اليمن في أيدي النظام الإيراني وأعوانه سيعني تهديدا حقيقيا لبلادنا، بل إنه سيكون بمثابة حصار حقيقي يهدد أمننا وسيادتنا، فجاء قرار عاصفة الحزم الذي لم تتردد القيادة في اتخاذه في الوقت المناسب ليحبط خطط الأعداء والمتآمرين على هذه البلاد المقدسة
خصوصا، والبلاد العربية عموما. ولأن هذا القرار كان موجعا لأعداء المملكة؛ فقد تعالت أصوات أولئك المتآمرين محاولين تشويه نجاح قيادتنا، ومن المؤسف جدا أن ينساق وراء تلك الحملات المغرضة بعض من نحسبهم أصدقاء وأشقاء، غير مقدرين لنتائج سقو اليمن الشقيق في أيدي أعداء العرب، وغير مبالين ولا متّعظين بما حل بأشقائهم في العراق، وسوريا، وليبيا، وغيرها.. وفي الختام؛ فإنه لا يتسع المجال أيها الكرام لتعداد ما لقيادتنا الحكيمة من إنجازات، وتضحيات، ونجاحات، ولكن هذه إشارات استعرضناها بقدر ما سمح به الوقت، لكي نقول إن معرفة فضل قيادتنا، بعد فضل الله سبحانه علينا فيما نحن فيه من الاستقرار، والوحدة، والأمن، يوجب علينا محبة وطننا وقادته، ومحبة الوطن توجب الإخلاص له، والمحافظة على أمنه واستقراره، ولا يتحقق ذلك إلا إذا عرفنا ما علينا من واجبات شرعية ووطنية، ولعل من
أهمها:
1.السمع والطاعة لأولي الأمر، ولزوم الجماعة وعدم المخالفة في السر
والعلن، واستشعار الثقة بحكمة قادتنا الذين يسهرون على راحتنا وأمننا، ويحرصون على إقامة شريعة الله وأحكامه في هذه المملكة، ويخدمون بيوت الله وضيوف الرحمن بكل ما يستطيعون من الجهد
والمال.
2.احترام مقدرات الوطن، والمحافظة على الممتلكات العامة، وعلى المال
العام، وتحقيق أهداف القيادة في محاربة الفساد، ومحاربة ما يؤدي إليه كالتستر، والغش، والرشوة، وما في حكم ذلك.
3.الاصطفاف خلف قيادتنا، وعدم المخالفة لما تصدره القيادة وأجهزتها الحكومية من تعليمات وتوجيهات غايتها الحفاظ على سلامة الوطن والمواطن، وتحقيق المصلحة العامة للبلاد وأهلها.
4.الحذر من الانخداع بالدعايات المناهضة، وعدم الإصغاء للأبواق المعادية لبلادنا وقيادتنا، وعدم الانسياق وراء المنظّرين المغرضين الذين يقّدمون معلومات متحاملة تنطوي على الكثير من الأكاذيب
والافتراءات، والمغالطات. 5.البعد عما يثير الفرقة، ويشرذم المجتمع، كإثارة النعرات القبلية، أو
الإقليمية، أو العرقية، أو الطائفية، وأن نستذكر قول الحق:
}واعتصموا بحبل ا هللَّ جميًعا ولا تفهرقوا ۚ واذكروا نعمت ا هللَّ عليكم إذ كنتم أعداءً فألهف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواًنا...
(1) ه ٍ
الآية{ . وقوله تعالى: }يا أيُّها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم
ع س ٰى أ ن ي ك و ن و ا خ ًير ا م ن ه م ، و لا ن س ا ء م ن ن س ا ٍء ع س ٰى أ ن ي ك هن خ ًيرا منه هن ۖ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بِلألقاب ۖ بئس الاسم الفسوق بعد الإيان ۚ ومن هلم يتب فأوٰلئك هم الظهالمون{.
إن إدراك ما نحن فيه من نعم الأمن والوحدة والاستقرار ورغد العيش، يستوجب منا أداء حق الله علينا، وحق ولاة أمرنا، والارتقاء بالسلوك العام المتوافق مع ما تصبوا إليه قيادتنا من الرقي والتطور. وكما بدأنا بحمد الله ننتهي بحمد الله، سائلين المولى القدير أن يحفظ ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأن يمد في عمره، وأن يوفقه وولي عهده الأمين لما فيه عز البلاد وسؤددها، وأن يديم على بلادنا أمنها واستقرارها، وأن يكفيها شر الحاقدين والمتربصين، كما نسأل المولى عز وجل أن يحفظ جنودنا البواسل، علىكل أرض، وتحتكل سماء، وأن يسدد رميهم، ويردهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين، ونلتقي على الدوام في مثل هذه المناسبة وبلادنا عزيزة على الدوام..
نادي المدينة الأدبي 15محرم 1340هـ/25سبتمبر 2018م
بدأها برفع التهاني لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ، موضحاً أن من محاسن الصدف أن تكون هذه المحاضرة في المدينة، والمدينة تبتهج بمناسبتين عزيزتين، أولهما ذكرى اليوم الوطني، وثانيهما: زيارة خادم الحرمين الشريفين.. سائلاً الله العلي القدير أن يحفظ بلادنا .
ثم تحدث عن اليوم الوطني وذكر معنى أن نستذكر اليوم الوطني، ولماذا نحتفي به، حيث أن هذا الجيل لا يدرك حقيقة ما كانت عليه البلاد قبل التوحيد.
وأكمل بالحديث عن المملكة قبل توحيدها ودور الملك عبدالعزيز رحمه الله وجهوده في تأسيسها وتوحيدها متطرقاً إلى تلك الفترة الزمنية وأحداثها وصولا إلى النهضة التي انتقلنا إليها ودور القادة فيها ، حيث أن من مدرسة القائد عبدالعزيز نهل أبناؤه، وساروا على نهجه، وظلت سياسة المملكة العربية السعودية مضرب المثل في الاستقرار والثبات .
وأكمل بعهد خادم الحرمين الشريفين حين شاء الله للملك سلمان بن عبدالعزيز أن يتسنم القيادة، والمنطقة تجتاحها متغيرات إقليمية ودولية، وتعصف بها تقلبات سياسية واقتصادية خطيرة، فكان القائد المناسب في الوقت المناسب، عندما آلت إليه قيادة البلاد السعودية في ظروف إقليمية ودولية دقيقة وحرجة، استبشر الناس بتعـيـيـنـه، واطمأنت النفوس لقيادته، وتباشرت بزعامته، وتسابقت لمبايعته، وغلب الأمل على الوجل، وتبددت المخاوف ، وحين اختار نجله محمد بن سلمان وليا للعهد، فكان هذا الشبل من ذاك الأسد، فصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان نهل من مدرسة أبيه، وارتوى من معينه، فتوافقت حكمة سلمان وخبرته مع عزيمة الشباب وطموحه وتنوره، وتشكلت حكومة الحزم.
وتحدث بعد ذلك عن واجبات المواطنة ولخصها في نقاط محددة .
وختم محاضرته بالتتأكيد على ضرورة إدراك ما نحن فيه من نعم الأمن والوحدة والاستقرار ورغد العيش، يستوجب منا أداء حق الله علينا، وحق ولاة أمرنا، والارتقاء بالسلوك العام المتوافق مع ما تصبوا إليه قيادتنا من الرقي والتطور.
وكما بدأ بحمد الله ختم بحمد الله، سائلا المولى القدير أن يحفظ ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأن يمد في عمره، وأن يوفقه وولي عهده الأمين لما فيه عز البلاد وسؤددها، وأن يديم على بلادنا أمنها واستقرارها، وأن يكفيها شر الحاقدين والمتربصين،وأن يحفظ جنودنا البواسل، على كل أرض، وتحتكل سماء، وأن يسدد رميهم .
مرفق المحاضرة للاطلاع والاستزادة :
بادئ ذي بدء أرفع أصدق التهاني والتبريكات لمولاي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بمناسبة ذكرى يومنا الوطني، ولعل من محاسن الصدف أن تكون هذه المحاضرة في المدينة، والمدينة تبتهج بمناسبتين عزيزتين، أولهما ذكرى اليوم الوطني، وثانيهما: زيارة خادم الحرمين الشريفين.. نسأل الله العلي القدير أن يحفظ بلادنا، وأمننا، وديننا، ومقدساتنا، وأن يعز ولاة أمرنا، وأن ينصر بالحق وعلى الحق مليكنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده
الأمين، وأن يخذل كل من عاداهما أو أراد بهما سوءا.. قد لا يعرف كثير من أبناء هذا الجيل معنى أن نستذكر اليوم الوطني،
ولماذا نحتفي به، لأنهم لا يدركون حقيقة ما كانت عليه البلاد قبل التوحيد.
وهذا يذكرنا بما يروى عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه
قال: "من لم يعرف الجاهلية لا يعرف الإسلام". ما أحوجنا إلى معرفة معنى هذه الحكمة العظيمة.. ومعناها أنه لا يعرف نعمة الإسلام وفضله على الإنسان في دنياه وآخرته إلاّ من عرف مساوئ الجاهلية، وتفاهة الحياة فيها.. إن الغاية من إحياء اليوم الوطني هي أن نستذكر يوم توحدت هذه البلاد، والتم شملها، وانتهت معاناة أهلها، وزالت حقبة مظلمة، وبدأت حقبة مشرقة، على يد مؤسس البلاد وباني نهضتها الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-الذي قضى حياته مكافحا ومناضلا، لينعم الشعب السعودي بهذه الوحدة العظيمة، وبهذه النهضة العلمية والحضارية.
• حكمة المؤسس: عندما نتكلم عن حكمة القيادة التي هي موضوع المحاضرة.. فلابد أن
نبدأ من زمن القائد المؤسس الذي جعل "الحكمة" مبدأ قامت عليه هذه الدولة، واستطاع بحكمته وحنكته أن يشخص مشكلة البلاد، وأن يعرف كيف يعالجها.. وتظهر حكمة القائد الشاب عبدالعزيز في وضوح الهدف، وسلامة المقصد، والقدرة على انتقاء الرجال العاملين معه. ثم تتجلى حنكته كقائد عسكري منذ اليوم الأول لمسيرته النضالية، يظهر
ذلك في بطولة اقتحام الرياض، والعمل لما بعد استردادها، فلم يغتر بالنصر، ولم ينخدع بالسلطة، بل شرع في تثبيت الانتصار، فأسرع ببناء الأسوار، وواصل عمل الليل بالنهار، لتوسيع قاعدة ملكه، فضم المناطق المحيطة بالعاصمة، ثم تحرك نحو القصيم، وصمد في مواجهة خصمه العنيد عبدالعزيز بن رشيد لما يقارب أربع سنوات قضاها فيكٍر وفر في ظروف قاسية مجدبة..
وعندما وجد نفسه في العام 1327هـ بين ثلاث جبهات، انشقاق وفتنة داخلية، وتوغل الشريف من الغرب (صفر 1327هـ)، وتوغل ابن رشيد من الشمال، واجه تلك الجبهات بثبات ورباطة جأش، وتعامل معها بحكمة القائد العظيم، وخرج منتصرا مظفرا بأقل الخسائر.
ومثلما تعامل الملك عبدالعزيز مع التحديات الداخلية، بحكمة ومهارة، فقد تعامل مع القوى الخارجية بحكمة أكبر، فقد نجح في استرداد الأحساء (1331/5/4هـ) دون استعداء الدولة العثمانية، فلم يرتكب خطأ يغضب الأتراك، بل تعامل مع العساكر الأتراك في القصيم والأحساء تعاملا نبيلا لا يقال عنه إنه لبق فقط، بل هو غاية في الشهامة، وأعادهم إلى بلادهم مكرمين معززين. كانت غايته تحقيق مشروعه، وليس الانتقام من هذا أو ذاك.. وتعامل بهذا النهج الأخلاقي في حوادث دخول حائل، وفي جدة، والمدينة(1). فكان حلمه أكبر من غضبه، فلم تستفزه علاقات الماضي مع خصومه، وأدرك أن العفو أفضل من الثأر، والصفح أحسن عاقبة من الانتقام. سار على هذا في معالجة قضية المنشقين من الإخوان عام 1345هـ، فمكث أكثر من سنتين يتفاوض معهم، ولكن لما وصل الانشقاق إلى حد لا يمكن السكوت عليه، وبدأ المنشقون في التعدي على الأرواح والممتلكات، واجه الأزمة بالتي كانت هي الداء، وعندما انتصر في معركة السبلة بضربة خاطفة، (1347/10/19هـ) أمر بوقف القتال، ومنع ملاحقة المنشقين، وأحال رؤوس الفتنة إلى حكم الشرع، وتجاوز عن الأتباع المغرر بهم.
يقول المفكر السياسي والمؤرخ أمين التميمي –رحمه الله– مثنيا على حكمة الملك عبدالعزيز في تعامله مع تلك المعضلة: "قضى على المشكلات التي ظهرت داخل بلاده، وكانت عاملاً قوياً من عوامل تأخر نهضتها، بحكمة وحنكة لولا اتصافه بهما لاستفحل الداء ولعز الدواء، ولكفت مشكلة واحدة منها لتقويض أركان مملكته، ولإعادة البلاد إلى فوضاها السابقة"
وعندما كانت بريطانيا هي أقوى الدول العظمى المحيطة بنجد، نجح عبدالعزيز في التعامل معها بحنكة ودهاء فانتزع اعترافها بحكمه (18صفر 1334هـ/1915/12/25م)، وأظهر لها أنه إلى جانبها في الحرب العالمية، لكنه لم يطلق طلقة واحدة على الطرف الآخر. فجنب بلاده ومواطنيه الانزلاق إلى جحيم الحرب العالمية. وفي هذا الصدد يقول أمين التميمي الذي كان شاهد عيان على تلك المرحلة "وها هو ذا -أي الملك عبدالعزيز- يسير في هذه الحرب الضروس التي أكلت الأخضر واليابس، واكتوت بنارها جميع دول العالم على سياسة غاية في بعد النظر والحكمة، مما يدل
على وسع الحيلة، وقوة الإرادة، وعظيم التقدير للظروف والأحوال".
وبفضل الله وتوفيقه ثم بفضل هذه الحنكة استطاع أن يقود سفينة الوحدة بنجاح، وأنجز ما عجز عنه غيره، وبنى لنا هذا الكيان الشامخ الذي نتفيأ ظلاله، نحن ومن حولنا من الشعوب الشقيقة والصديقة..
لم يكــن الطريــق أمــام الملــك عبــدالعزيز -طيــب الله ثــراه- مفروشــا بالــورود، بلكان محاطا بتحديات داخلية وخارجية. ففي الوقت الـذيكـان القائـد يـلـم شـعث الـداخلكانـت عينـه الأخـرى علـى ـاطر الخـارج، يراقـب صـراع القـوى الدوليـــة والإقليميـــة الـــتيكانـــت تتصـــارع علـــى اقتســـام منـــاطق النفـــوذ الـــدولي، فاســـتطاع بعبقريتـــه أن يتجنـــب الـــدخول في مواجهـــات أو نزاعـــات مـــع تلـــك القـوى الـتيكانـت تتحـين الفـرص لإحبـا مشـروعه الـداخلي الطمـوح، فكـان الــزعيم العــربي الوحيــد الــذي خــرج مــن الحــرب العالميــة بأكــبر المكاســب وأقــل
الخسائر. وتظهر حكمة المؤسس في قدرته على الجمع بين الحزم والأناة، وبين
اليقظة والتغافل، وبين القوة والسياسة. وكانكثيرا ما يردد المثل القائل: "الحزم أبو الظفرات، والترك أبو الحسرات".
وتتجلى حكمة المؤسس فيما قام به بعد أن وحد البلاد، وترجل عن حصان الجهاد، إذ التفت إلى البناء، والتطوير بما تسمح به ظروف الصحراء، وإرث الماضي، وشح الموارد، فعمل على توطين البادية، وتثبيت الأمن، ومنع الغزو، وتحسين المواصلات، ونشر العلم، واهتم بإنعاش الزراعة، واستثمار
ومن مدرسة القائد عبدالعزيز نهل أبناؤه، فساروا على نهجه، فظلت سياسة المملكة العربية السعودية مضرب المثل في الاستقرار والثبات على سياسة حكيمة ومتوازنة تجاه القضايا الداخلية والخارجية. وكان لهذه السياسة أثر كبير في نجاح البلاد في تجاوز كثير من التحديات والأزمات التي مرت بها البلاد خصوصا؛ والمنطقة العربية عموما، وسارت الأمور على وتيرة واحدة، إلى أن وصل الحكم إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده، وفقهما الله.. ويرى كثيرون أن الملك سلمان كان الأكثر شبها بصفات المؤسس، والأقرب لأسلوبه في القيادة، يقول أحد الذين عرفوا خادم الحرمين حق المعرفة، مصورا تأثر الملك سلمان بوالده المؤسس: "... نحن لم نعش فترة الملك عبدالعزيز، ولم يكتب لنا أن نلتقيه في هذه الحياة، لكننا قرأنا وطالعنا كثيراً مما كتب عنه، فرسمنا له صورة بديعة في خيالاتنا، نجدها في وقتنا الراهن ماثلة أمامنا في شخص سلمان بن عبدالعزيز الذي يتمتع بشخصية كاريزمية، تأسرك حال لقائك به، إضافة إلى كونه عولمياً ضالعاً في السياسة والفكر والاقتصاد والإعلام، وذا معرفة بتاريخ الجزيرة
العربية وبقبائلها وأسرها" .
شاء الله للملك سلمان بن عبدالعزيز أن يتسنم القيادة، والمنطقة تجتاحها متغيرات إقليمية ودولية، وتعصف بها تقلبات سياسية واقتصادية خطيرة، فكان القائد المناسب في الوقت المناسب.
لقد عرف خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي تولى إمارة الرياض لما يقارب نصف قرن على إنه أنموذج إداري ناجح، فقد تميز جلالته بصفات قيادية قلما توافرت في قائد آخر، فقد عرف بالانضبا والدقة والحزم في إدارته.. كما عرف بثقافته المعرفية الواسعة.. فكان الإداري المثقف، والمسؤول الواعي، والقيادي العارف بأحوال مجتمعه.. كان قارئا جيدا للتاريخ، مستفيدا من تجارب الماضي، ولاشك أن الاطلاع على التاريخ من
أهم مقومات القائد الناجح. لقد أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ابن عبدالعزيز -حفظه
الله- في أول يوم من استلامه للحكم عن هدفه وبرنامجه القيادي، فقال: "إن هدفي الأول أن تكون بلادنا أنموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك".
ولأن الموضوع هنا يدور حول الجانب القيادي في شخصية خادم الحرمين؛ فإن المجال لا يتسع للحديث عن إنجازات جلالته في مجالات العمل الثقافي، أو العمل الاجتماعي، أو غيرها من المجالات التي أعطى لها الكثير
من وقته وحياته.
لقد اضطلع جلالته على مدى ستة عقود بمسؤوليات جسام، على المستويين الداخلي والخارجي، ففي مكتبه بإمارة الرياض كان يعالج عشرات القضايا اليومية الشائكة، وعلى مستوى الأسرة المالكة كان بمثابة صمام الأمان، وحكيم العائلة، فكان الأخ الشقيق للكبير، وكان الأب الحاني للصغير.. وعلى مستوى القيادة كان مستشار الملوك.. وعلى المستوى
الخارجيكان الصديق المقّرب للزعماء والقادة. عرف الملك سلمان عند زعماء العرب والمسلمين والأجانب بشخصيته
المثقفة، الواعية، الهادئة، وما تنطوي عليه من وزن فكري خلاق، قوامه الالتزام بالعقيدة الصحيحة الوسطية مع الأخذ بأسباب النهوض والتطور(1).
كما كان ذا ثقل سياسي مبني على إيمانه بأن تسود في العالم أواصر المحبة
والسلام، على أسس من احترام الحقوق، ورفض التدخل في شؤون الآخرين. فهو كما يقول الأستاذ الكبير سمير عطا الله: "... فهو المثقف الذي عرفه الصحفيون، وهو الباني الكبير الذي عرفته الرياض منذ 50 عاماً، أمضى شبابه في تأسيسها وعمره في تكبيرها. يضي سنوات الحكمة والخبرة في توطيد الأسس وتمتين المؤسسات، وتثبيت القاعدة الأولى
للعمل: التطوير في ظل الإرث، والتعمير في ضوء المستقبل"(2).
ويعدد الكاتب بعض مزايا الملك سلمان خلال سنوات إمارة الرياض، فيذكر منها: أنه كان غالبا ما يصل مكتبه قبل موظفيه، ويغادره بعد معظمهم وكان "يتفقد الرياض وأهلها، ويزور مستشفياتها، وبسطاءها، وما زال الصحافيون العرب يعتقدون أن لا عمل له سوى المتابعة السياسية؛ تلك هي قدرته على تنظيم الوقت!! ".
وعندما آلت إليه قيادة البلاد السعودية في ظروف إقليمية ودولية دقيقة وحرجة، استبشر الناس بتعـيـيـنـه، واطمأنت النفوس لقيادته، وتباشرت بزعامته، وتسابقت لمبايعته، وغلب الأمل على الوجل، وتبددت المخاوف
بإذن الله من المستقبل المجهول.
• ولي العهد: "الحكمة والطموح" عندما استلم الملك سلمان الحكم، اختار نجله محمد بن سلمان وليا
للعهد، فكان هذا الشبل من ذاك الأسد، فصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان نهل من مدرسة أبيه، وارتوى من معينه، فتوافقت حكمة سلمان وخبرته مع عزيمة الشباب وطموحه وتنوره، وتشكلت حكومة الحزم.. وقد عبر ولي عهده الأمين عن برنامجه الطموح بقوله: ".. نثق ونعرف أن الله سبحانه حبانا وطناً مباركاً هو أثمن من البترول، ففيه الحرمان الشريفان، أطهر بقاع الأرض، وقبلة المسلمين، وهذا هو عمقنا العربي والإسلامي،
وهو عامل نجاحنا الأول..".
وكانت أبرز خطوات قيادة الحزم التصحيحية إقرار برنامج "رؤية 2030" تلك النقلة التطويرية الطموحة، المبنية على أهداف بعيدة المدى، من أجل نقلة نوعية، في الإدارة والاقتصاد، ولإحداث تطوير شامل يتواكب مع متطلبات المستقبل، ويتسق مع التحولات العالمية. فرؤية 2030 تضمنت أهدافا قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى، من أجل تغيـير هيكلة الاقتصاد السعودي، الذي كان يعتمد على الموارد النفطية ويعطل الموارد والإمكانيات الأخرى التي تزخر بها بلادنا. فجاءت الرؤية لتصلح هذا الخلل، ولتعالج هذه المعضلة من خلال تحول حقيقي إلى تنوع الموارد، فكان من أهدافها زيادة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50%. كما جاءت الرؤية ببرنامج طموح للتخصيص، من أجل تحقيق مشاركة الشعب في ملكية الأصول الحكومية وإدارتها. ومن ذلك أيضا برنامج صندوق الاستثمارات الذي
دخلت به بلادنا عصرا جديدا ورائدا في ظل هذه القيادة الطموحة. كما تضمنت الرؤية أهدافا وطنية وقومية لا تقل أهمية، وفي مقدمتها استنهاض الطاقات البشرية الوطنية، والاستثمار في الشباب السعودي، والسعي إلى خفض البطالة إلى أدنى مستوى، وتحقيق التوازن المالي من خلال رفعكفاءة الإنفاق الرأسمالي، وتصحيح أسعار الخدمات، وإعادة توجيه الدعم للمستحقين. وقد رأينا خلال السنتين الأخيرتين بوادر هذه الأهداف تتحقق بالأرقام، ورأينا إحلال الشباب السعودي ذكورا وإناثا محل الوافدين في كثير من المهن والوظائف، ولا يخفى على الجميع ما وراء هذه الخطوة من خفض كبير لحجم التحويلات المالية إلى الخارج. كما رأينا عشرات وربما المئات من
المحلات والمؤسسات الوهمية تغلق أبوابها، وتشطب سجلاتها. ومن أهدافها -أيضا- رفع الكفاءة الإدارية، ورفع الوعي الوظيفي، واحترام الحقوق والواجبات الوطنية، فلمسنا خلال مدة وجيزة الحزم في تطبيق الأنظمة، وضبط إيقاع الأجهزة الأمنية والإدارية والقضائية، ورفع مستوى
الكفاءة، وتطوير الأداء، ووقف الهدر الوظيفي والمالي.. لقد رأينا أثر ذلك الحزم في احترام الأنظمة المرورية، ورأينا ذلك في سرعة تنفيذ القرارات.
وعلى المستوى الخارجي تعاملت القيادة مع الظروف المحدقة بنا بكل براعة، فجنبت بلادنا اطر حقيقية كنا منها قاب قوسين أو أدنى.. وكان أكبر تلك المخاطر ما خطط له الأعداء بشأن اليمن الشقيق، الذي يمثل وقوعه تحت سيادة غير عربية تهديدا حقيقيا لأمن المملكة العربية السعودية.. لقد كان قرار التصدي لتلك الكارثة قرارا سياسيا وعسكريا في غاية الحكمة والشجاعة بشهادة الخبراء العسكريين والسياسيين. فلو تأخر ذلك القرار
لكانت النتائجكارثية على بلادنا وعلى أشقائنا في اليمن وفي الخليج. لقد أدركت القيادة الحكيمة أن سقو اليمن في أيدي النظام الإيراني وأعوانه سيعني تهديدا حقيقيا لبلادنا، بل إنه سيكون بمثابة حصار حقيقي يهدد أمننا وسيادتنا، فجاء قرار عاصفة الحزم الذي لم تتردد القيادة في اتخاذه في الوقت المناسب ليحبط خطط الأعداء والمتآمرين على هذه البلاد المقدسة
خصوصا، والبلاد العربية عموما. ولأن هذا القرار كان موجعا لأعداء المملكة؛ فقد تعالت أصوات أولئك المتآمرين محاولين تشويه نجاح قيادتنا، ومن المؤسف جدا أن ينساق وراء تلك الحملات المغرضة بعض من نحسبهم أصدقاء وأشقاء، غير مقدرين لنتائج سقو اليمن الشقيق في أيدي أعداء العرب، وغير مبالين ولا متّعظين بما حل بأشقائهم في العراق، وسوريا، وليبيا، وغيرها.. وفي الختام؛ فإنه لا يتسع المجال أيها الكرام لتعداد ما لقيادتنا الحكيمة من إنجازات، وتضحيات، ونجاحات، ولكن هذه إشارات استعرضناها بقدر ما سمح به الوقت، لكي نقول إن معرفة فضل قيادتنا، بعد فضل الله سبحانه علينا فيما نحن فيه من الاستقرار، والوحدة، والأمن، يوجب علينا محبة وطننا وقادته، ومحبة الوطن توجب الإخلاص له، والمحافظة على أمنه واستقراره، ولا يتحقق ذلك إلا إذا عرفنا ما علينا من واجبات شرعية ووطنية، ولعل من
أهمها:
1.السمع والطاعة لأولي الأمر، ولزوم الجماعة وعدم المخالفة في السر
والعلن، واستشعار الثقة بحكمة قادتنا الذين يسهرون على راحتنا وأمننا، ويحرصون على إقامة شريعة الله وأحكامه في هذه المملكة، ويخدمون بيوت الله وضيوف الرحمن بكل ما يستطيعون من الجهد
والمال.
2.احترام مقدرات الوطن، والمحافظة على الممتلكات العامة، وعلى المال
العام، وتحقيق أهداف القيادة في محاربة الفساد، ومحاربة ما يؤدي إليه كالتستر، والغش، والرشوة، وما في حكم ذلك.
3.الاصطفاف خلف قيادتنا، وعدم المخالفة لما تصدره القيادة وأجهزتها الحكومية من تعليمات وتوجيهات غايتها الحفاظ على سلامة الوطن والمواطن، وتحقيق المصلحة العامة للبلاد وأهلها.
4.الحذر من الانخداع بالدعايات المناهضة، وعدم الإصغاء للأبواق المعادية لبلادنا وقيادتنا، وعدم الانسياق وراء المنظّرين المغرضين الذين يقّدمون معلومات متحاملة تنطوي على الكثير من الأكاذيب
والافتراءات، والمغالطات. 5.البعد عما يثير الفرقة، ويشرذم المجتمع، كإثارة النعرات القبلية، أو
الإقليمية، أو العرقية، أو الطائفية، وأن نستذكر قول الحق:
}واعتصموا بحبل ا هللَّ جميًعا ولا تفهرقوا ۚ واذكروا نعمت ا هللَّ عليكم إذ كنتم أعداءً فألهف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواًنا...
(1) ه ٍ
الآية{ . وقوله تعالى: }يا أيُّها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم
ع س ٰى أ ن ي ك و ن و ا خ ًير ا م ن ه م ، و لا ن س ا ء م ن ن س ا ٍء ع س ٰى أ ن ي ك هن خ ًيرا منه هن ۖ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بِلألقاب ۖ بئس الاسم الفسوق بعد الإيان ۚ ومن هلم يتب فأوٰلئك هم الظهالمون{.
إن إدراك ما نحن فيه من نعم الأمن والوحدة والاستقرار ورغد العيش، يستوجب منا أداء حق الله علينا، وحق ولاة أمرنا، والارتقاء بالسلوك العام المتوافق مع ما تصبوا إليه قيادتنا من الرقي والتطور. وكما بدأنا بحمد الله ننتهي بحمد الله، سائلين المولى القدير أن يحفظ ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأن يمد في عمره، وأن يوفقه وولي عهده الأمين لما فيه عز البلاد وسؤددها، وأن يديم على بلادنا أمنها واستقرارها، وأن يكفيها شر الحاقدين والمتربصين، كما نسأل المولى عز وجل أن يحفظ جنودنا البواسل، علىكل أرض، وتحتكل سماء، وأن يسدد رميهم، ويردهم إلى أهلهم وذويهم سالمين غانمين، ونلتقي على الدوام في مثل هذه المناسبة وبلادنا عزيزة على الدوام..
نادي المدينة الأدبي 15محرم 1340هـ/25سبتمبر 2018م